التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون 275}

صفحة 1057 - الجزء 2

  من المفسرين «إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيطَانُ مِنَ الْمَسِّ» من الجنون، وقيل: يمسه الشيطان بالأذى، والوسوسة، عن أبي علي، والمراد أن آكل الربا يبعث يوم القيامة وبه علامة يعرف أنه آكل الربا، وهو أنه يكون به خبل، وتساقط، وضرب بالأرض، وقيل: يقوم ولا يمكنه أن يقوم بحجة كما أن المصروع في حال صرعه لا يقوم بحجته، وقيل: يقومون مجانين.

  ويقال: الخبط المضاف إلى الشيطان مثل أم حقيقة؟

  قلنا: هو مثل عند أبي علي كحال من تغلب عليه السوداء فتضعف نفسه، ويلج عليه الشيطان بإغوائه فيقع صرعه عند ذلك الحال من فعل اللَّه تعالى، أو من فعل المصروع، وينسب إلى الشيطان مجازًا؛ لأنه يحصل عند وسوسته. فقال أبو بكر الأخشيد وأبو الهذيل: يجوز أن يكون الصرع من فعل الشيطان بأن يمكنه اللَّه تعالى من ذلك في بعض الناس دون بعض، واحتجا بأن ظاهر القرآن عليه، ولا مانع في العقل منه، والأول أصح «ذَلِكَ بِأنَّهُمْ قَالُوا» يعني ذلك الذي نزل بهم إنما هو لقولهم، عن الأصم، «إِنَّمَا الْبَيعُ مِثْلُ الرِّبَا» قيل: قالوا: كلاهما سواء إذا وقع على وجه التراضي، وقيل: لأن أهل الجاهلية كانوا يقولون سواء الزيادة في أول البيع بالربح أو عند محل المال لأجل التأخير؛ وذلك لأن أحدهما أباحه اللَّه تعالى، وهو البيع والآخر حرمه اللَّه تعالى، وهو الربا، وهو. أعلم بمصالح العباد «فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ» قيل: تذكير وتخويف، وقيل: هو القرآن عن السدي «فَانتَهَى» أي امتنع عن الربا عن أكله والمعاملة به واستحلاله «فَلَهُ مَا سَلَفَ» يعني ما أكل من الربا، عن السدي أي ليس عليه رد ما سلف، وقيل: له ما سلف من ذنوبه فإن اللَّه غفرها له بالتوبة، عن الأصم «وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ» قيل: فيما يأمره وينهاه، ويحلل ويحرم ليس إليه من ذلك شيء، وقيل: أمره إلى اللَّه في إنعامه وإكرامه، وقيل: أمره إلى اللَّه؛ لأنه عاد إلى