قوله تعالى: {الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون 275}
  بيان بخلاف البيع، وهذا الذي اختاره شيخنا أبو عبد اللَّه، وقاضي القضاة قالا: لأن الصحابة لما اختلفت في مسائل الربا كابن عباس وغيره رجعت إلى الآثار دون الآية، ولأن الربا يفيد شرائط غير مذكورة، ونص النبي ÷ في الربا على ستة أشياء: الذهب والفضة والحنطة والشعير والتمر والملح، ثم قال في آخر الخبر: «فإذا اختلف النوعان فبيعوا كيف شئتم يدًا بيد، ولا خير فيه نسيئة». وأجمعت الأمة على ذلك، ثم اختلفوا في تعديه فمنهم من وقف به على هذه الأجناس، والأكثر على تعديه، ثم اختلفوا منهم من تخطى قياسًا وتعليلاً، وهم الأكثر، ومنهم من تخطى من غير تعليل، ومن علل اختلفوا في تعليله مع اتفاقهم أن علة الربا ذات وصفين، وأن أحد الوصفين الجنس، واختلفوا في الوصف المضموم إليه، فقال أهل العراق: الوصف الثاني التقدير الشرعي، وهو الكيل والوزن، ولم يجعلوا العدد تقديرًا، وأجروا الربا في الأصناف الستة بعلة واحدة وتفرع لهم منها فروع نذكرها، وقال الشافعي: الصفة المضمومة إلى الجنس الطعم أو كونه ثمنًا، وقال مالك: الادخار والأكل، ومما تفرع منه مكيل غير مطعوم كالجص يجري فيه الربا، فكذلك الحبة والحفنة مطعوم غير مكيل لا يجري فيه الربا، عن أبي حنيفة، ويجري عند الشافعي، ولا خلاف أنه إذا وجد الوصفان حرم التفاضل نقدًا وحرم النسأ كالحنطة بالحنطة، وإذا عدما حل التفاضل نقدًا وحل النسأ كالدراهم والحنطة، وإذا وجد أحدهما وعدم الآخر، فقال أهل العراق: لا يحل النسأ كالجنس بانفراده، وقال غيرهم: لا يحرم، وموضع تفصيله كتب الفقه.
  ويدل قوله: «فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ» على أن الوعيد إنما يلحق بعد حصول البيان فمن هذا الوجه تدل على أنه لا يلحق الوعيد إذا لم يقدر عليه؛ لأن تأثير القدرة في الفعل أكثر من تأثير البيان.
  ويدل قوله: «فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ» أنه تعالى يغفر الذنوب بالتوبة.
  ويدل قوله: «وَمَنْ عَادَ» على ثبوت الوعيد فيمن يُرْبي بعد البيان، وتدل على أن عقابه يدوم إذا لم يتب، خلاف قول المرجئة.