التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {يكاد البرق يخطف أبصارهم كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيء قدير 20}

صفحة 277 - الجزء 1

  والمشيئة والإرادة واحد، وهما عَرَضانِ يتعاقبان على الحي، ومحلهما من العباد القلب، وإرادة القديم وكراهته لا في محل.

  والشيء ما يصح أن يعلم ويخبر عنه، وجمعه أشياء، وهو أول الأسماء وأعمها وأبهمها.

  وقدير وقادر بِمَعْنًى إلا أن في (قدير) مبالغة كعليم وعالم.

  · الإعراب: (كلما) أصله (كل)، وهي ظرف زمان ضمت إليها (ما) الجزاء فصار أداة للتكرار، وهي منصوبة بالظرف، ومعناها متى.

  و (اللَّه) نصب ب (إن)، وخبره في قوله: «عَلَى كُلّ شَيءٍ قدير».

  · المعنى: ثم بَيَّنَ تمامَ مثلِ المنافقين فقال تعالى: {يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ} يعني تكاد الدلائل والآيات تخطف قلوب هَؤُلَاءِ لما فيها من الإزعاج إلى النظر والدعاء إلى الحق كما يكاد البرق يخطف أبصار أولئك، وقيل: يكاد البرق يخطف أبصارهم لشدة ضوئه، فينتفعون به كما ينتفع هَؤُلَاءِ بإظهار الإيمان «كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا» قيل: إذا دعوا إلى غنيمة وخير أسرعوا، وإذا وردت محنة أو شدة على المسلمين تحيروا لكفرهم، ووقفوا كما وقف أولئك في الظلمات متحيرين عن الأصم، وقيل: إذا انفتحت عليهم أمور الدنيا ساعدوا، وإذا امتحنوا بالمصائب توقفوا عن قتادة، وقيل: إذا آمنوا صار الإيمان لهم نورًا، وإذا ماتوا عادوا إلى الظلمة والعقاب، وقيل: هم اليهود لما نُصر المسلمون ببدر قالوا: هو الذي بشر به موسى فلما نكبوا بأحد وقفوا وشكوا «وَلَوْ شَاءَ اللَّه لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ» يعني: أنهم على خطر من ذهاب سمعهم وأبصارهم، كذلك المنافقون على أعظم الخطر، فيجب أن يبادروا إلى طاعته قبل أن يعاقبهم بنقمته، «إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلّ شَيءٍ قَدِيرٌ» أي قادر على كل شيء من مقدور هو لا يفوته، وقيل: هو عام، وهو قادر على الأشياء