قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها وأشهدوا إذا تبايعتم ولا يضار كاتب ولا شهيد وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم 282}
  عن سفيان بن عيينة، وهذا يبعد لأنه تقدم قوله: «تَضِلَّ» فدل أن المراد به الذِّكر، ثم خاطب الشهود فقال تعالى: «وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا» أي لا يمتنع، ثم فيه ثلاثة أقوال:
  الأول: إذا دعوا لإثبات الشهادة وتحملها، عن قتادة والربيع.
  والثاني: لإقامتها، عن مجاهد وعطاء والشعبي والسدي وسعيد بن جبير، وهو الذي اختاره القاضي.
  الثالث: لإثباتها وإقامتها، عن ابن عباس والحسن، وأنكر بعضهم حمل الآية على التحمل؛ لأنهم ليسوا بشهداء، وهذا الاحتجاج يبطل بقوله: «وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ».
  ومتى قيل: هل يجب التحمل؟ وكيف يجب الأداء؟
  قلنا: إن حملت الآية على التحمل فقيل: واجب على الكفاية، وقيل: هو أمر ندب، وقيل: هو إباحة، وإن حملت على الإقامة فقد يجب على الكفاية عند وجود غيره، وقد يتعين إذا لم يكن غيره «وَلاَ تَسْأَمُوا» لا تملوا «أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا» كان الحق «أَوْ كَبِيرًا» قليلاً كان المال أو كبيرًا «إِلَى أَجَلِهِ» يعني محل الدين والحق، وقيل: إلى أجل الشاهد «ذَلِكُمْ» يعني الكتابة «أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ» أي أعدل؛ لأنه. أَمَرَ به، واتباع أمره أعدل من تركه «وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ» أصوب وأعدل وأقرب إلى الحق «وَأَدْنَى» أقرب «أَلَّا تَرْتَابُوا» أي لا تشكوا «إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً» يعني إلا أن تكون المبايعة تجارة «حَاضِرَةً» يدًا بيد نقدًا غير نسيئة ولا فيه أجل «فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ» حرج وضيق، وقيل: ضرر في أموالكم، عن أبي علي «أَلَّا تَكْتُبُوهَا» أي التجارة الحاضرة «وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ» قيل: الإشهاد فرض عن الضحاك، وقيل: ندب، عن الحسن والشافعي، وهو قول الفقهاء «وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ» قيل: أصله «ولا يُضَارِرْ»، بكسر الراء،