قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا ولا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبيرا إلى أجله ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها وأشهدوا إذا تبايعتم ولا يضار كاتب ولا شهيد وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم 282}
  بشاهدين، ولا خلاف فيه وفي شهود الزنا، وإنما اختلفوا فيما ليس بمال ولا حد ولا حق، فعند أبي حنيفة تقبل شهادة النساء، وعند الشافعي لا تقبل.
  وأما شهادة النساء وحدهن فقيل: فيما لا يطلع عليه الرجال من عيوب النساء والولادة والاستهلال، واختلفوا في الرضاع، ثم اختلفوا في العدد، فعند أبي حنيفة كل موضع يقبل فيه قول النساء وحدهن يقبل قول واحدة، وعند محمد لا يقبل إلا قول أربع.
  فأمَّا صفة الشاهد فقد بينا ما قيل فيه، ويجب أن يجتمع فيه عشر خصال: الحرية، والبلوغ، والإسلام، والعدالة، وأن يكون عالمًا بما يشهد، وألا يجر بشهادته نفعًا، ولا يدفع عن نفسه ضرًّا، ولا يكثر منه الغلط، ويكون ذا مروءة ويكون متيقظًا، ولا يكون مغفلاً، وروي أن أبا حازم القاضي لما ولي القضاء حضر مجلس عبيد اللَّه بن سليمان وزير المعتضد وحضر جماعة الفقهاء، فجرى ذكر العدالة فأكثروا، فقال لأبي حازم: قل أحسن ما قيل فيه. قال: قول أبي يوسف: إنه الذي لا يأتي الكبائر ولا يصر على الصغائر، ويكون ستره أكثر من هتكه، وصوابه أكثر من خطئه، ومروءته ظاهرة، ويكف نفسه عن الكذب، ويستعمل الصدق ديانة أو مروءة، ويتجنب الكذب ديانة أو أنفة، فهذه صفة العدل، فأمر بكتبه في دفتر الحضرة.
  وأما شهادة الكفار بعضهم على بعض فتقبل عند أهل العراق، ولا تقبل عند مالك والشافعي.
  وتدل الآية على منع الحكم بشاهد ويمين لأنه تجاوز عما حد اللَّه تعالى، عن أبي علي وأكثر الفقهاء، وقيل: لا يمتنع، عن أبي هاشم، وهو قول الشافعي.
  ويدل قوله: «وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا» أن الواجب ألا يشهد مع الارتياب، وأنه يشهد مع اليقين كما قال رسول اللَّه ÷: «إن علمت مثل الشمس فاشهد وإلا فلا».