قوله تعالى: {لله ما في السماوات وما في الأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير 284}
  وأوعد عليها بين أن له ملك السَّمَاوَاتِ والْأَرْضِ، فيجازي على الكتمان والإظهار، عن الشعبي وعكرمة ومجاهد.
  · المعنى: «لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ» يعني جميع ذلك مِلكه، ومُلكه يصرفهما حيث يشاء «وِإنْ تُبْدُوا» تظهروا «مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ» تكتموه، قيل: إنه خاص في الشهادة، عن ابن عامر وجماعة، وقيل: في جميع الأحكام المتقدمة في السورة خُوِّفُوا من العمل فيها على خلاف الصحة بإضمار خلاف العلانية، وقيل: إنها في موالاة الكفار يعني إن تخفوا أيها المؤمنون ما في أنفسكم من ولاية الكافر أو تظهروه، عن مقاتل والواقدي، وقيل: إنها عامة في كل شيء «يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ» يعني ما تبدون وتكتمون يجازيكم بها، وقيل: إنها منسوخة بقوله تعالى: «لاَ يُكَلِّفُ اللَّه نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا» وهذا لا يصح؛ لأن تكليف ما ليس في الوسع لا يجوز فكيف ينسخ؟، وإنما في الآية أنه يؤاخذ بأفعال القلب، وقد ورد عليه آي من القرآن فيحمل أن ما روي في ذلك: أن قومًا ظنوا أنهم يؤاخذون بالخواطر التي لا تدخل تحت قدرتهم، والوساوس التي تخطر على قلوبهم، فأنزل اللَّه تعالى الآية الثانية بيانًا للأولى وإزالة لهذا التوهم الفاسد، قيل: يحاسبكم على ما تظهرون من المعاصي، وما تخفون في أنفسكم من أفعال القلوب، عن الحسن والربيع وابن عباس، وهو قول أبي علي وجماعة، وقيل: ما تظهرون من المعاصي، وما تخفون منها، عن الأصم والقاضي وأبي مسلم «فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذّبُ مَنْ يَشَاءُ» قيل: يغفر للتائب وأصحاب الصغائر، ويعذب المُصِرِّينَ وأصحاب الكبائر، وقيل: يعذب الكافرين ويغفر للمؤمنين، والأول الوجه لقوله:
  {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} ولآي الوعيد «وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ» فيقدر على المجازاة كما وعد.
  · الأحكام: تدل الآية على أنه تعالى يؤاخذ بما يلزم المرء إظهاره إذا كتم، وما يلزمه كتمانه إذا أظهر، وليس المراد الخواطر؛ لأنها ليست من فعله، فهي موضوعة عنه.