التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رءوف بالعباد 30}

صفحة 1140 - الجزء 2

  و «ما عملت» في محل النصب، والعامل فيه (تجد)، وتقديره: تجد عملها، وقيل: الواو في قوله: «وَمَا عَمِلَتْ» واو العطف، عن أبي مسلم، وقيل: واو الاستئناف، عن الأصم.

  · المعنى: لما حذر عقابه فيما تقدم بين وقت العقاب فقال: «يَوْمَ تَجدُ» يعني يوم القيامة «كُلُّ نَفْسٍ مَا عملتْ مِنْ خَيرٍ» قيل: صحائف الأعمال من الحسَنات والسيئات فكلها مكتوبة، عن أبي مسلم وجماعة، وهو اختيار القاضي، وقيل: جزاء ما عملت من الثواب والعقاب، فأما أعمالهم فهي أعراض قد بطلت، ولا يجوز عليها الإعادة، فيستحيل أن ترى محضرة، فيحمل على أحد الوجهين الذي ذكرنا «وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ» قيل: إنه يتصل بما قبله أي تجد الخير والشر محضرًا، وهو على الولي والعدو، فأحدهما يرى حسناته والآخر سيئاته، عن الحسن، وقيل: يعني الجملة من الناس أن منهم من يرى الصغائر والحسنات المكفرة، ومنهم من يرى السيئات والطاعات المحبطة، وكل واحد يرى حسنة وسيئة، ثم استأنف «تَوَدُّ» يعني المجرم، وقيل: ابتداء الكلام من قوله: «وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ» يعني من معصية «تَوَدُّ» تريد وتحب «لَوْ أَنَّ بَينَهَا» وبين النفس «وَبَينَهُ» وبين السوء «أَمَدًا بَعِيدًا» أي غاية بعيدة، وقيل: مكانًا بعيدًا، عن السدي، وقيل: ما بين المشرق والمغرب، عن مقاتل، وقيل: تود أنه لو لم يعمله «وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّه نَفْسَهُ» قيل: عذاب نفسه، وقيل: نفسه أي تعصوا فتستحقوا العقاب «وَاللَّهُ رَؤُوفٌ» عطوف «بِالْعِبَادِ» قيل: بالمؤمنين، وقيل: بالجميع، وإنما ذكر الرأفة؛ لأن من رأفته أن حذرهم وأنذرهم، ووعدهم وأوعدهم، وبين طريق نجاتهم ليستحقوا الثواب ويتقوا العقاب، وقيل: لرأفته لم يستأصلهم مع كفرهم وأمهلهم للتوبة، عن الأصم.

  · الأحكام: تدل الآية على إثبات المعاد، وعلى إعادة من يستحق الثواب والعقاب.

  وتدل على عظيم تمني العاصي وندمه على ما سلف.

  وتدل على أن الطاعة خير، وإن كانت مشقة على النفس من حيث تؤدي إلى نفع