قوله تعالى: {قالت رب أنى يكون لي ولد ولم يمسسني بشر قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون 47}
  «قَالَتْ» يعني مريم «رَبِّ» قيل: أرادت. يا إلهي، وقيل: أرادت جبريل يعني يا سيدي «أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ» أي كيف يكون لي ولد «وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ» آدمي، قيل: هذا تعجب؛ لأنه خرج من المعتاد فتعجبت من عظيم قدرته تعالى كما يقال عند الآثار العظيمة: ما أعظم اللَّه تعالى!، ويُقال: كيف تهب ضيعتك وهي أَنْفَسُ مالك؟!، وأنت لا تشك في هبته، ولكن تتعجب من جوده، وقيل: هو استفهام، ومعناه: يكون لي ولد وأنا على حالي، ولم يمسسني بشر، أم على مجرى العادة؟، وقيل: معناه: أيكون جهة التبني أم حقيقة الولد «قَال» يعني جبريل، قال لها جبريل: «كَذَلِكِ» يعني كما تقولين يا مريم حكم اللَّه، وقيل: كما أنت بلا مسيس بشر، وقيل: كذلك أوحى اللَّه أنه يخلق ولدًا بلا زوج «اللَّهُ يَخْلُقُ» أي يفعل اختراعًا يقدر «مَا يَشَاءُ إِذَا قَضى أَمْرًا» إذا أراد شيئًا يخلقه «فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ» قيل: إنه على جهة المثل، لا أن هناك قولا، يعني ما يشاء من فعل يفعله من غير معالجة ومعاناة قَلَّ أم كثر، فهو بمنزلة قول القائل: كن فيكون، يدل عليه أنه يكونه بلا شك، ولا يكون بنفسه، وقيل: (كن) علامة جعلها اللَّه لملائكته فيما يريد إحداثه لما فيه من العبرة والمصلحة، عن الأصم.
  · الأحكام: تدل الآية على حدوث كلامه تعالى إن حمل على ظاهره من وجوه:
  منها: أنه علق (كن) ب (إذا) الذي يدخل على الاستقبال.
  ومنها: أنه قال: «فَإِنَّمَا يَقُولُ»، وذلك يؤذن بالاستقبال.
  ومنها: أنه علق المكون ب (كن) فإذا كان المكون محدثا، فكذلك (كن).
  ومنها: أن الكاف يتقدم النون، فيؤذن بالحدوث.