التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون 78}

صفحة 1220 - الجزء 2

  · المعنى: ثم أعلم اللَّه تعالى نبيه ما هم عليه من المخالفة والكذب فقال تعالى: «وَإنَّ مِنْهُمْ» يعني من أهل الكتاب، وقد مضى ذكرهم عند قوله: «وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَاب» عن الحسن وسائر أهل العلم «لَفَرِيقًا» طائفة، وهم أحبارهم ورؤساؤهم «يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ» يحرفونه بالتغيير والتبديل، عن مجاهد وقتادة وابن جريج والربيع، وقيل: يفسرونه بخلاف الحق، وقيل: يحرفون الكلام ويعدلونه عن القصد «بِالْكِتَاب» يعني بالتوراة فيغيرون صفة محمد وآية الرجم ونحوه، ويقرؤونه في أثناء التوراة «لَتَحْسَبُوهُ» لتظنوه «مِنَ الْكِتَاب وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَاب» وما هو المنزل على موسى «وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّه» أي هو أنزلَه «وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّه» أي لم ينزله «وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّه الْكَذِبَ» في ذلك «وَهُمْ يَعْلمُونَ» قيل: يعلمون أنهم كاذبون، وقيل: يعلمون ما عليهم في ذلك من العقاب.

  · الأحكام: تدل الآية على عظيم إثم من يلبس ما في الدين؛ لذلك ذمهم على التحريف، ثم التحريف على ضربين: تحريف في اللفظ، وتحريف في المعنى، أمَّا التحريف في اللفظ فلا بد أن يحصل من جماعة يجوز عليهم التواطؤ، وأما في المعنى بأن يفسر على خلاف الصواب، فيجوز لأجل الشبهة أن يذهب إليه جماعة كبيرة، كما حصل من مبتدعة هذه الأمة في معاني القرآن.

  وتدل على قبح التلبيس في جميع ما يتعلق بأمور الدين والحقوق وما يوهم الكذب؛ لأن جميعه من باب التحريف.

  وتدل على بطلان الجبر من حيث نفى أن يكون ذلك من المحرف عنده، ولو كان ذلك خَلْقَهُ وإرادَتَه لكان من عنده حقيقة، وكان لا يصح فيه.

  وتدل على أن المعارف ليست ضرورة لذلك خص فريقًا بالعناد.

  وتدل على أن العالم بالشيء قد يكابر، ويظهر خلاف ما يعلم، وقد ثبت أنه يجوز على الجماعة اليسيرة دون الكثير.