قوله تعالى: {ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون 79 ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون 80}
  قيل: هو عيسى والكتاب الإنجيل، عن الضحاك ومقاتل وأبي علي وأبي مسلم، وقيل: هو محمد والكتاب القرآن، عن ابن عباس وعطاء والحسن، وقيل: هو عام أي ما كان لنبي من البشر أن يؤتيه اللَّه الكتاب فيقول كذا، عن الأصم «أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ» أي يعطيه «وَالْحُكمَ» قيل: العلم والفهم، وقيل: النبوة، والأول الوجه «وَالنُّبُوَّةَ» يعني الرسالة إلى الخلق «ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ» وقيل: معناه اعبدوني من دونه، أو اعبدوني معه، عن أبي علي، قال القاضي: ومعنى عباد خلاف معنى عبيد؛ لأنه لا يمتنع أن يكونوا عبيدًا لغير اللَّه، ويمتنع كونهم عبادًا لغيره فيدل على أن فيه معنى العبادة، «وَلَكِنْ» يقول «كُونُوا» فيه حذف تقديره ولكن يقول:
  كونوا «رَبَّانِيِّينَ» قيل: علماء فقهاء، عن علي وابن عباس والحسن والضحاك، وقيل: حكماء علماء عن قتادة والسدي وابن زيد، وقيل: علماء أتقياء، عن سعيد بن جبير، وقيل: مدبرين أمر الناس في الولاية بالإصلاح، عن أبي زيد، وقيل: معلمين الناس، عن الزجاج، وقيل: حكماء علماء معلمين، عن أبي مسلم، وقيل: مخلصين في العبادة، وقيل: علماء حكماء نصحاء لله في خلقه، عن عطاء، قال أبو عبيدة: سمعت رجلاً عالمًا يقول: الرباني: العالم بالحرام والحلال والأمر والنهي وما كان وما يكون، وقال أبو عبيدة: العرب لم تعرف الرباني، وهذا فاسد؛ لأن القرآن نزل بلغة العرب، وفيه الرباني، وروي عن محمد بن الحنفية أنه قال يوم مات ابن عباس: مات ربانيُّ هذه الأمة. وقد ذكر أهل اللغة اشتقاقه، وذلك يفسد ما قال، «بِمَا كُنْتُمْ» قيل: بما أنتم كقوله: {وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا} «كنْتُمْ تُعَلِّمُونَ» بالتخفيف يعني تَعلَمُون الكتاب، وما فيه من الحلال والحرام والأمر والنهي، وبالتشديد تعلِّمون غيركم مع علمكم «وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ» يعني تتلونه «وَلاَ يَأْمُرَكُمْ» قيل: لا يأمركم اللَّه، عن الزجاج، وقيل: لا يأمركم محمد، عن ابن جريج، وقيل: لا يأمركم عيسى، وقيل: لا يأمركم الأنبياء «أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ» أربابًا، كما فعله قريش، «وَالنبِيِّينَ» كما فعلت اليهود والنصارى «أَيَأْمُرُكم» استفهام، والمراد به الإنكار أي لا يأمركم، وقيل: تعجيب أي تعجيب من رسول يأمركم بهذا «بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُمْ مُسْلِمُونَ».