قوله تعالى: {أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون 83 قل آمنا بالله وما أنزل علينا وما أنزل على إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى والنبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون 84 ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين 85}
  وخضع «مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ» وقيل: إسلام من في السماوات إسلام الملائكة، وإسلام من في الأرض إسلام المؤمنين «طَوْعًا وَكَرْهًا» فيه أقوال: منهم من أسلم طائعًا، ومنهم من استسلم بالذلة، عن عامر والزجاج وأبي علي، قال القاضي: أما الطوع فمعروف، وأما الكره فتعذر الامتناع مما ينزل به من الآلام والشدة، وقيل:
  أسلم المؤمنون طوعًا والكافرون عند موتهم كرهًا، عن قتادة كقوله: {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا}، وقيل: المراد انقيادهم فيما يتصرف فيهم عند خلقه وإعادته، عن الأصم، وقيل: أراد من انقاد له على الخصوص، عن الحسن، وقيل: أسلم بالإقرار والعبودية، وإن كان فيهم من أشرك في العبادة كقوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} عن أبي العالية ومجاهد، وقيل: أسلم بحاله الناطقة عنه عند أخذ الميثاق عليه، عن ابن عباس، قال الحسن والمفضل: الطوع لأهلْ السماوات خاصة، وأهل الأرض منهم من أسلم طوعًا، ومنهم من أسلم كرهًا، «وَإلَيهِ يُرْجَعُونَ» قيل: إلى حُكْمِهِ وأمره، وقيل: إليه يرجعون للجزاء، فإياكم ومخالفة الإسلام فيجازيكم بالعقاب «قُلْ» يا محمد «آمَنَّا بِاللَّهِ» أي صدقنا أنه الإله الواحد لا شريك له «وَمَا أُنْزِلَ عَلَينَا» يعني القرآن والإسلام «وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسباطِ» أولاد يعقوب، وهم اثنا عشر «وَمَا أُوتِيَ مُوسَى» من التوراة «وَعِيسَى» من الإنجيل «وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ» أي ما أعطوا من الكتب والدين نشهد بأن جميع ذلك حق، وأنهم صادقون «لاَ نُفَرِّقُ بَينَ أَحَدٍ مِنْهُمْ» كما فعلت اليهود آمنت بموسى، وكفرت بعيسى ومحمد، وكما فعلت النصارى آمنت بعيسى، وكفرت بمحمد «وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ» منقادون للطاعة فيما أمر به ودعا إليه، والإيمان بهَؤُلَاءِ هو الإقرار بأن ما جاؤوا به كان حَقًّا، وإن نسخ بعد ذلك، والإقرار بأنهم صادقون، وإنما ذكر الإيمان بهم، قيل: رَدًّا على أهل الكتاب، وقيل: لموافقة ما تقدم الوعد به من الإيمان بالنبي الأمي وبجميع ما تقدم من النبيين على التفصيل، عن الحسين «وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا» أي يطلب دينًا يدين به غير الإسلام «فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ» أي لن يرضى منه بذلك «وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ» من الهالكين؛ لأنه بهلاك نفسه فكأنه يخسر نفسه.