قوله تعالى: {إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين 96 فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين 97}
  · الأحكام: تدل الآية على أن الكعبة أول بيت وضع، وبَيَّنَّا الاختلاف فيه أنه أول بيت وأول متعبد، وتدل على بركة تتعلق به، وهو ما يحصل لمن قصده بالعبادة من الثواب.
  وتدل أنه سبب الفوز والنجاة، وذلك إما بالحج إليه أو بالتوجه في الصلاة.
  ويدل قوله: «للعالمين» أن التعبد مما يتعلق به عام.
  وتدل الآية على وجوب الحج على من استطاع إليه سبيلاً، وسئل النبي ÷ عن الاستطاعة، فقال: «هي الزاد والراحلة»، ومعلوم أنه لم يشرط ذلك إلا مضمومًا إلى استطاعة البدن؛ لأن الزاد يقويه على المشي، والراحلة تخفف عنه كل السفر، ونفيهما له أثر في إسقاط الفرض، كذلك كل أمر يقطع على الفرض فهو في حكم نفي الاستطاعة، فلذلك شرط العلماء في وجوب الحج شرائط نذكرها، وتدل الآية على وجوب الحج، والأمر لا يوجب التكرار عند الأكثر، وهو الصحيح، وإنما سأل بعض الصحابة: أَفِي كل عام؛ لأنهم رأوا العبادات التي هي أركان الدين مكررة، وإن اختلف حالها في كيفية التكرر، فسألوا عن ذلك، فبيَّن رسول اللَّه ÷ بيانا شافيًا أنه مرة واحدة، والإجماع حصل على ذلك، وإنما اختلفوا فيمن حج ثم ارتد ثم أسلم هل يجب عليه الحج؟ فمنهم من قال: يجب، وهو مذهب أهل العراق؛ لأن المفعول أحبطه بالكفر، فصار كما لو لم يحج، ومنهم من قال: لا يجب، وهو مذهب الشافعي.
  فأما شرائط وجوب الحج فعشرة: منها ما هو متفق عليه، ومنها ما هو مختلف فيه، فمنها: العقل، والبلوغ، والحرية، والإسلام، وأمن الطريق، فهذه خمسة، واختلفوا فيمن بينه وبين مكة بحر وطريق غير مسلوك.
  السادس: أن يكون في الوقت سعة يمكنه الحج.