قوله تعالى: {إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين 96 فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين 97}
  إبراهيم) يجوز أن يكون ابتداء، ويجوز أن يكون بدلاً من (آيات) وتفسيرًا لها أي الآيات المناسك المفروضة مقام إبراهيم، وهو الصلاة عنده، عن أبي مسلم «وَمَنْ دَخَلَهُ» قيل: دخل مكة، وقيل: البيت، وهو الأولى، وإن كان كل واحد منهما مذكورًا ويصح رجوع الكناية إليه، «كَانَ آمِنًا» فيه أقوال:
  الأول: هو ما عطف عليه قلوب العرب في الجاهلية من أمن (مَنْ) جنى جناية ثم لاذ بالحرم من تَبِعَةٍ تلحقه أو مكروهٍ ينزلُ به، وفي الإسلام: من قتل أو جنى ثم لاذ إلى الحرم لا يؤخذ فيه، بل يُخْرَجُ منه، وقيل: ذلك في القتل دون سائر الحدود، وفي القتل يخرج ثم يقتل، عن الحسن وقتادة وجماعة، واختلفوا كيف يخرج.
  والثاني: أنه أمر يعني من وجب عليه حد فلاذ به لم يتابع ولم يقاتل حتى يخرج من الحرم فيقام عليه الحد، عن ابن عباس وابن عمر، وعلى هذا تقديره: من دخله فَأمِّنُوهُ كقوله: {فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ} وقيل: من دخله عام عمرة القضاء مع النبي ÷ كان آمنًا؛ لأنه قال تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} وقيل: من دخله للنسك تقربًا إلى اللَّه تعالى على شرائطه كان آمنًا يوم القيامة، عن الضحاك، قال: من حجه كان آمنًا من الذنوب التي اكتسبها قبل ذلك.
  ولما بَيَّنَ فضيلة البيت عقبه بذكر الحج إليه، قال اللَّه تعالى: «وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ» اللام لام إلزام وإيجاب، أي ولله فرض واجب على الناس «حِجُّ الْبَيْتِ» يعني قصده للحج «مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» أي من وجد إليه طريقًا لنفسه وماله، وقيل: الاستطاعة الزاد والراحلة، عن ابن عباس وابن عمر، وروي مرفوعًا، وقيل: ما يبلغه الحج كائنًا ما كان، عن ابن الزبير «وَمَنْ كَفَرَ» يعني من جحد لزوم الحج؛ لأنه من الأركان يكفر جاحده، عن الحسن وابن عباس والضحاك وعطاء، وقيل: هو أن يكون عنده أَنَّ فِعْلَ الحج ليس ببرٍّ، وتركه ليس بإثم، عن مجاهد، وقيل: من كفر بالقبلة التي أمر بالتوجه إليها، وقيل: من كفر بِاللَّهِ واليوم الآخر، وقيل: من كفر بالبيت، عن عطاء، وقيل: من كفر أي لم يحج حتى مات فقد كفر، وقيل: من كفر بهذه الآيات، عن ابن زيد، والأول الوجه «فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ» يعني لا يحتاج إلى عبادتهم، فإنما أمرهم ونهاهم لمنفعتهم.