التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين 100 وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم 101}

صفحة 1257 - الجزء 2

  تلك الأشعار، ففعل، وتفاقم الأمر حتى قال بعضهم لبعض: إن شئتم رددناها الآن جذعة، وأخذوا السلاح وخرجوا، فجاء رسول الله ÷ ومعه المهاجرون ووعظهم حتى انصرفوا وبكوا، وعاد بعضهم بعضًا، فنزلت هذه الآية.

  وقيل: كانت الأوس والخزرج جُلُوسا فذكروا ما بيتهم في الجاهلية حتى غضبوا، فقام بعضهم إلى بعض بالسلاح، فنزل: «وَكَيفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عليكم».

  وقيل: ونزل قوله: «وَكَيفَ تَكْفُرُونَ» في مشركي العرب، عن الحسن، وقيل:

  هم الكفرة من أهل الكتاب، وقد مر ذكرهم، وهم الَّذِينَ كانوا يدعون المسلمين إلى الكفر وتثبيطهم عن الجهاد، وهم الَّذِينَ ذكَّرَهم ما كان منهم، عن أبي علي وأبي مسلم، وقيل: نزلت في قوم من المنافقين قَبِلَتْ عن علماء اليهود.

  · المعنى: ثم حذر المؤمنين عن قبول قولهم، فقال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» صدقوا اللَّه ورسوله، وقيل: صاروا مؤمنين، قيل: أراد من آمن من أهل الكتاب، وقيل: بل أراد الكل «إِنْ تُطِيعُوا» لفظ الطاعة يدل على دعاء متقدم، وتقدير الكلام: إن يطيعوا فيما دعوا إليه «فَرِيقًا» جماعة «مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ» قيل: اليهود، وقيل: اليهود والنصارى، وقيل: علماؤهم الَّذِينَ عاندوا، عن الأصم «يَرُدُّوكُمْ» يرجعوا بكم «بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ» ثم أكد الأمر وعظم، فقال تعالى: «وَكيفَ تَكْفُرُونَ» هذا استفهام، والمراد تفخيم الأمر في الكفر بعد الإيمان والتعجيب منه، وحقيقته النهي والإنكار، يعني لا تفعلوا ذلك، فعظيم أن تجحدوا «وَأَنْتُم تُتْلَى عَلَيكُمْ آيَاتُ اللَّه» يعني كتابه، وهو القرآن مع ما فيه من الحجة والمعجزة «وَفِيكُمْ رَسُولُهُ» يعني محمدًا ترون معجزاته، وقيل: ترون معجزاته في نفسه، ويدعوكم إلى الإيمان، فكيف تكفرون مع هذا؟! وقيل: «وَفِيكُمْ رَسُولُهُ» أي معجزات رسوله.

  ويقال: هل يجوز أن يقال لنا: وفيكم رسوله؟

  قلنا: يجوز توسعًا؛ لأن آثاره قائمة، وأعلامه ظاهرة، وذلك بمنزلة كونه حيًا.