التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين 100 وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم 101}

صفحة 1258 - الجزء 2

  «وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ» أي يتمسك بآياته وكتابه ودينه وطاعته، عن أبي مسلم، وقيل: من يكن اللَّه ملجأه فيمتنع به عمن سواه بأن يعبده ولا يشرك به شيئًا، عن الأصم، وقيل: من امتنع عن الكفر بكتاب اللَّه والاستدلال به وبرسوله، عن أبي علي «فَقَدْ هُدِيَ» رشد ودل «إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» يعني إلى دين مستقيم أي على الهدى، فلا يعدل عنه.

  · الأحكام: تدل الآية أن لدعاء أهل الضلال تأثيرًا لولاه لم يكن للكلام معنى، فتدل على بطلان مذهب الجبر، حيث قالوا: لا تأثير لشيء إن خلق اللَّه الإيمان فهو مؤمن، وإن خلق الكفر فهو كافر، فيبطل قولهم في المخلوق، وكذلك في الاستطاعة.

  وتدل على أن لدعاء إبليس أثرًا أو يكون مفسدة يشق عنده التكليف على ما يقوله شيخنا أبو هاشم، خلاف ما يقوله شيخنا أبو علي أنه لو أثر لمنع منه.

  وتدل على أن الإقدام على الكفر والقبائح عند وجود الأدلة يقبح، وإن لم يعلم من حيث تمكن من العلم، فيبطل قول من يزيل الذم إذا لم يكن عالمًا.

  وتدل على أن من لم تبلغه الدعوة يؤخذ بالشرائع؛ لأنه علق الذم بالمخالفة مع تلاوة كتاب اللَّه تعالى.

  وتدل على أن المرجع في الدين إلى كتاب اللَّه وبسنة رسوله ÷، والصحيح ما بَيَّنَّا أن كون آثاره فيما بين ظهراني الخلق ككونه حيًّا، وقد روي عن قتادة أنه قال: هما شيئان: أما نبي اللَّه فقد مضى، وأما كتاب اللَّه فهو بين أظهركم رحمة منه ونعمة.

  وقوله: «وَفِيكُمْ رَسُولُهُ» قيل: يبيِّن لكم الآيات والديانات، وقيل: [تشهدون] ما في نفسه من المعجزات، وذكروا أنه كان في نفسه معجزات كثيرة:

  منها: أنه كان يرى خلفه كما يرى قُبُلَهُ.

  ومنها: أنه كان تنام عينه ولا ينام قلبه.

  ومنها: أن ظله لم يقع على الأرض.

  ومنها: أن الذباب لم يقع عليه.