قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون 102 واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون 103}
  قيل: أراد ما كان بين الأوس والخزرج من الحروب التي تطاولت مائة وعشرين سنة إلى أن ألَّف اللَّه بين قلوبهم بالإسلام، وزالت تلك الأحقاد، عن ابن إسحاق، وقيل: ما كان بين مشركي العرب من الطوايل، عن الحسن «وَكُنْتُم عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ» يعني: وكنتم يا أصحاب محمد على طرف جهنم لم يكن بينكم وبينها إلا الموت «فَأَنْقَذَكُمْ» اللَّه «مِنْهَا» بأن أرسل إليكم رسولاً هداكم إلى الإيمان ودعاكم فأطعتمِ فنجوتم من النار، وقيل: هذا مَثَلٌ، وأراد كنتم على الشرك الذي هو سبب النار «فَأنْقَذَكُمْ مِنْهَا» بلطفه وبرسوله وبكتابه، وأنقذكم: نجاكم منها، قيل: بالدعاء إلى الإيمان، وقيل: بالألطاف، وقيل: بالقرآن والنبي ÷ «كَذَلِكَ» قيل: هكذا يبين اللَّه، وقيل: كما يبين اللَّه لكم الآيات فيما مضت بين هذا، وقيل: كما بَيَّنَ الإسلام بَيَّنَ هذا لتهتدوا إلى طاعته، وقيل: كما بَيَّنَ لمن كان قبلكم بَيَّنَ لكم، وقيل: كما بينت لكم نعمتي ودللتكم على مصالحكم أبين لكم سائر الآيات، وقيل: تقديره مثل هذا البيان الذي يتلى عليكم يبين اللَّه لكم «يُبَيّنُ اللَّه» يوضحه «آيَاته» حججه ودلائله وأحكامه على لسان رسوله «لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ» أي لكي تهتدوا إلى سبيل الرشاد، وقيل: إلى طاعة ربكم، وقيل: إلى ما فيه نجاتكم.
  · الأحكام: تدل الآية على وجوب اتقاء جميع المعاصي، واختلفوا فقيل: إنها محكمة غير منسوخة، عن ابن عباس وطاوس وأبي علي وأبي القاسم والأصم وأبي مسلم، وقيل: منسوخة بقوله: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} عن قتادة والربيع وابن زيد والسدي، قال مقاتل: وليس في آل عمران من المنسوخ إلا هذا، قال أبو علي: وهذا خطأ؛ لأن من اتقى جميع المعاصي فقد اتقى اللَّه حق تقاته، ومثل هذا لا يجوز أن ينسخ؛ لأنه إباحة لبعض المعاصي، وقال أبو القاسم: هذا القول يوجب الأمر بما لا يستطاع، وهذا فاسد، قالوا: ومتى لم يشرط الاستطاعة نطقًا فهو مشروط عقلاً؟