التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون 104 ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم 105 يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون 106}

صفحة 1266 - الجزء 2

  بالعمل، عن الأصم «مِنْ بَعْد مَا جَاءَهُمُ الْبَيَّنَّاتُ» أي الحجج، وقيل: الكتب المنزلة التي في أيديهم، عن أبي مسلم «وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَاب عَظِيمٌ» لدوامه وخلوه من الراحة، ثم بَيَّنَ متى يكون ذلك، فقال تعالى: «يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ»، وهو يوم القيامة، فيكون بعض الوجوه مشرقة منورة، وبعضها مسودة، عليها قترة السواد، وهذا قول أكثر المفسرين، وقال بعضهم: المراد بالبياض ما يحصل من البشر والتهلل والفرح، والمراد بالسواد ما يحصل من ضده في وجوه الكافرين من الغم وآثاره، [وقيل:] البياض والسواد مَثَلٌ، والأول الوجه؛ لأنه الظاهر، وتؤيده الأخبار، ولا مانع منه، ثم اختلفوا، فقيل: تبيض وجوه المؤمنين وتسود وجوه الكافرين، وقيل: تبيض وجوه المخلصين، وتسود وجوه المنافقين، وقيل: تبيض وجوه المهاجرين والأنصار، وتسود وجوه بني قريظة والنضير، عن عطاء، وقيل: هم أهل السنة وأهل البدعة، في ابن عباس.

  · الأحكام: تدل الآية على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعظم حالهما، لذلك علق الفلاح به، وعند أبي علي يجب عقلاً، والسمع يؤكده، وعند أبي هاشم يجب بالسمع، ولا يجب عقلاً، وهو واجب بحسب الإمكان باللسان واليد، فإن لم يكن فبالقلب، وذلك أضعف الإيمان على ما ورد به الأثر، والأمر بالواجبات واجب، وبالنوافل نفل، والنهي عن جميع المنكرات واجب؛ لأن جميعها في القبح واحد، وتدل على أنه فرض على الكفاية؛ لذلك قال: «منكم».

  وتدل على أن الاختلاف في الدين مذموم، وهذا فيما الحق فيه واحد، كالتوحيد والعدل والنبوءات وأصول الشرائع لاستحالة أن يكون الجميع حقًا، فأما مسائل الاجتهاد فإنه غير مذموم، وإن اختلفوا فيه؛ ولذلك قال النبي ÷: «خلاف أمتي رحمة»، وكل مجتهد فيه مصيب، قد أدى ما كلف؛ لأن الشرائع مصالح، فيجوز أن تختلف بحسب اختلاف المكلفين، كما يختلف فيه الحضر والسفر، والطاهر