قوله تعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون 104 ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم 105 يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون 106}
  · المعنى: لما تقدم النهي عن التفرق والأمر باجتماع الكلمة في الدين بيّن في هذه الآية أنه كما يجب أن يكونوا على الحق مهتدين يجب أن يكونوا دعاة إلى دينه، فقال سبحانه: «وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ» أي جماعة منكم يأمرون، و (من) للتبعيض؛ لأن الأمر بالمعروف فرض على الكفاية، فإذا قام به بعضهم سقط عن الباقين، وقيل: (مِنْ) صلة أي كونوا أمة، كقوله: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ} أي الأوثان، وقيل: أدخل (من) ليخرج منه النساء والصبيان، وإلا فالخطاب متوجه إلى الجميع، وقيل: (من) للتخصيص، والمراد: وليكن أمة، كما يقال: لي من فلان ذكر، عن أبي مسلم، «يَدْعُونَ إِلَى الْخَيرِ» قيل: كونوا علماء مُبَيِّنينَ دين اللَّه، عن الأصم، وقيل: إلى الإيمان، وقيل: إلى التوحيد، وقيل: إلى الطاعات كلها، وهو الوجه «وَيَأمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ» قيل: كل ما أمر به اللَّه ورسوله فهو معروف، وما نهى عنه فهو منكر. وقيل: المعروف ما يعرف حسنه عقلاً أو شرعًا، والمنكر ما ينكره العقل والشرع، وهذا يرجع إلى المعنى الأول «وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» يعني مَنْ فَعَلَ ما تقدم فقد فاز بالنجاة من العذاب، وفاز بالثواب، ثم أمر بالجماعة في ذلك وترك التفرق فقال تعالى: «وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا» أي في الدين، قيل: اليهود والنصارى، عن الحسن والربيع وجماعة، وقيل: هم المبتدعة، وروي عن أبي أمامة: هم الحرورية، وقيل: تفرقوا عن الدين إلى غيره بترك الدين، [وتفرقوا] واختلفوا معناهما واحد، وذكرهما للتأكيد، واختلاف اللفظين كقوله الشاعر:
  ينأ عني ويبعد
  وقيل: بل معناهما مختلف، ثم اختلفوا فقيل: تفرقوا بالعداوة، واختلفوا في الديانة، وقيل: تفرقوا بأبدانهم، واختلفوا في اعتقاداتهم، وقيل: تفرقوا في كتابهم فرفضوه، واتبعوا أهواءهم المختلفة، وقيل: فارقوا بالتكذيب بالقول، وخالفوه