قوله تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون 110}
  ثم ذكر مناقبهم، فقال تعالى: «تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ» بالطاعات «وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ» عن المعاصي «وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ» بتوحيده وعدله ودينه «وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَاب» اليهود والنصارى بمحمد وما جاء به «لَكانَ خَيرًا لَهُمْ» أي لكان ذلك الإيمان خَيرًا لهم؛ لأنهم في الدنيا ينجون من القتل والسبي، وفي الآخرة من العذاب، ويفوزون بالجنة «مِنْهُمُ» أي من أهل الكتاب «الْمُؤمِنُونَ» كعبد اللَّه بن سلام وأصحابه من اليهود والنجاشي وأصحابه من النصارى «وَاَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ» الخارجون عن طاعة اللَّه، وإنما ذكرهم بالفسق وإن كان الكفر أعظم قيل: للإشعار بأنهم خرجوا بالفسق عما يوجبه كتابهم من الإقرار بنبوة محمد، ÷؛ إذ أصل الفسق الخروج، وقيل: معناه أنهم في الكفار بمنزلة الفاسقين في العصاة، لخروجهم إلى الحال الفاحشة التي هي أشنع وأفظع، وقيل: أراد بالفسق خروجهم عن طاعة اللَّه، ثم قد يكون ذلك بالكفر، وبغير الكفر.
  · الأحكام: تدل الآية على فضل هذه الأمة على سائر الأمم، وأن الخير فيهم أظهر، والخيار فيهم أكثر.
  وتدل على أنهم إنما صاروا كذلك بخصلتين:
  إحداهما: أنهم يؤمنون بِاللَّهِ، فيدخل فيه جميع خصال الإيمان والتمسك به، والعمل بموجبه.
  والثانية: دعاء الغير إليه، فيدخل فيه جميع ما يتعلق بالغير، فلا يشذ عن ذلك شيء من التكاليف. قال أبو عثمان الجاحظ: من فضل هذه الأمة كثرة علومها في الأصول والفروع، وقد بلغ مدة اليهود أكثر من ثلاثة آلاف سنة، ثم إنما يتعلمون الكلام من المسلمين، وليس لهم من فروع الفقه إلا القليل، وهذا صحيح، فإنك إذا نظرت في علوم أهل الإسلام في الكلام دقيقه وجليله، وفي كتب الفقه أصوله وفروعه، وفي كتب التفسير والقراءة وإعراب القرآن ولغاته وغير ذلك تجد ما لا يحصى، وكل ذلك فضل اللَّه، فليس لأمة من الأمم عُشْرُ عُشَيْرِ ذلك.