قوله تعالى: {ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون 113 يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين 114 وما يفعلوا من خير فلن يكفروه والله عليم بالمتقين 115}
  يخضعون، قال علي بن عيسى: وليست الواو حالاً، وإنما هو عطف جملة على جملة، وعلى ما قاله الأصم وأبو علي هو واو الحال على ما قررنا «يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ» بتوحيده وعدله وصفاته «وَالْيَوْمِ الآخِرِ» يعني بالبعث يوم القيامة، وسمي آخرًا لتأخره عن الدنيا «وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ» أي بالطاعات «وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ» عن المعاصي «وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيرَاتِ» أي الأعمال الصالحة خوف الفوت وقبل حلول الموت، وقيل: يفعلونها لا على وجه الكسل «وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ» أي من جبتهم وفي عدادهم «وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيرٍ» من طاعة «فَلَنْ يُكْفَرُوهُ» أي لا يُمْنَعُ عنهم جزاؤه، فسمي منع الجزاء كفرًا؛ لأنه بمنزلة الجحد والستر له، ومعناه: لا تجحد طاعاتهم ولا تستر بمنع الجزاء، قال أبو علي: وهو توسع، ويوصف اللَّه تعالى بأنه شاكر توسعًا، معناه:
  أنه يثيب على الطاعة كما يثيب الشاكرين على النعمة، فلما استعير للثواب الشكر استعير لنقيضه منع الثواب الكفر «وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ» أي بأحوالهم فيجازيهم، والمتقي من يتقي معاصيه، وخصهم بالذكر ولو كان عليمًا بالكل؛ لأن الكلام اقتضى ذكر جزاء المتقين، فنبه بذلك على أنه لا يضيع شيء من عملهم قَلَّ أو كثر؛ لأن المجازي عليم بكل ذلك.
  · الأحكام: تدل الآية على التفرقة بين الفريقين وأن تلك التفرقة بالطاعة والمعصية، ولو كان كل واحد منهما خلقًا لله وهما محلان لاستويا في استحقاق المدح والذم.
  وتدل على عظيم محل صلاة الليل.
  وتدل على أن شيئًا من أعمال الخير لا يبطل البتة، وذلك يؤيد قول أبي هاشم في الموازنة؛ لأنه إما أن يصل إليه ثوابه أو ينقص من عقابه، خلاف قول أبي علي: إنه ينحبط.
  وتدل على الترغيب في الخيرات، وذلك اسم لجميع الطاعات لما عليها من الثواب الجزيل.