قوله تعالى: {ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون 113 يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين 114 وما يفعلوا من خير فلن يكفروه والله عليم بالمتقين 115}
  من أهل الكتاب أمة قائمة، وأخرى غير قائمة، فترك الأخرى اكتفاء بذكر الفريقين، كقول أبي ذؤيب:
  عَصَاني إليها القلبُ إنني لِأمْرِهِ ... مُطِيع فَمَا أَدْري أَرُشْدٌ طِلَابُهَا
  ولم يقل: أَمْ غيّ؛ لأن في الكلام ما يدل عليه، وهذا مذهب الفراء.
  وقال آخرون: تمام الكلام عند قوله: «لَيْسُوا سَوَاءً»، وهو وقف؛ لأن ذكر الفريقين من أهل الكتاب قد جرى في قوله: «مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَاَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ» ثم قال: «لَيسُوا سَوَاءً» ثم وصف الفاسقين بقوله: «لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أذًى»، ووصف المؤمنين بقوله: «أُمَّةٌ قَائِمَةٌ»، وهذا مذهب الزجاج وجماعة، وقيل: لا يستوي اليهود وأمة محمد، عن ابن مسعود، ومعنى «لَيسُوا سَوَاءً» أي لا يستوون؛ يعني في أحكام الدنيا، ولا في الثواب في الآخرة «مِنْ أَهْلِ الْكِتَاب أُمَّةٌ قَائِمَةٌ» أي جماعة هم الَّذِينَ أسلموا عن أكثر المفسرين، وقيل: معناه ذو طريقة مستقيمة، والأمة الطريقة، عن الزجاج، وقال علي بن عيسى: وهذا لا يصح؛ لأنه عدول عن الظاهر وحكم بالحذف من غير دليل «قَائِمَةٌ» قيل: ثابتة على أمر اللَّه، عن ابن عباس وقتادة والربيع، وقيل: عادلة، عن الحسن وابن جريج ومجاهد، وقيل: قائمة بطاعة اللَّه، عن السدي، وقيل: دائمة، عن الأخفش، وقيل: قائمة على كتاب اللَّه وفرائضه وحدوده «يَتْلُونَ» قيل: يقرؤون، وقيل: يتبعون، عن مجاهد «آيَاتِ اللَّه» كتاب اللَّه وهو القرآن «آناءَ اللَّيلِ» ساعاته وأوقاته، عن الحسن والربيع وأبي مسلم، وقيل: جوف الليل، عن السدي، وقيل: أراد به صلاة العتمة؛ لأن أهل الكتاب لا يصلونها، عن ابن مسعود، وقيل: يصلون بما يتلون من آيات اللَّه، تقديره: يتلون آيات اللَّه بالليل وصلاتهم، عن الأصم وأبي علي، وقيل: هي صلاة ما بين المغرب والعشاء عن الثوري عن منصور، وقيل: هو قيام الليل «وَهُمْ يَسْجُدُونَ» قيل: أراد السجود المعروف في الصلاة، وقيل: معناه يصلون؛ لأن الصلاة لا تخلو من سجود، عن الزجاج والفراء، وقيل: