التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون 116 مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون 117}

صفحة 1283 - الجزء 2

  قلنا: حذف منه إهلاك، وتقديره: مثل إهلاك ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل إهلاك ريح فيها صر، فحذف لدلالة ما بقي عليه.

  · النزول: قيل: نزل قوله: «مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ» في أبي سفيان وأصحابه يوم بدر عند تظاهرهم على النبي ÷ عن اليماني.

  وقيل: بل في نفقة الكافرين مع المؤمنين في حرب المشركين على جهة النفاق، عن أبي على.

  وقيل: نزلت في نفقة تنفتلها اليهود على علمائهم.

  وقيل: نزلت في جميع الكفار في نفقاتهم وصدقاتهم في الدنيا، عن مجاهد والأصم وأبي مسلم.

  · المعنى: لما تقدم صفة المؤمنين وما أعد لهم عقبه ببيان حال الكافرين فقال تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا» بِاللَّهِ ورسوله «لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ» أي لن تدفع عنهم «أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ» شيئًا، وإنما ذكر المال؛ لأنه أعز الأشياء عليه، فلو فدى نفسه بجميع ماله لن يغني شيئًا، وذكر أولاده؛ لأنهم أقرب الناس إليه وأعزهم عليه، ولهم يكتسب، فهذان معتمد الخلق، فإذا لم يغنيا فغيرهما أحق «مِنَ اللَّهِ» أي من عذابه وما أراد بهم «وَأُوْلَئِكَ أَصْحابُ النَّار» الملازمون لها «هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ» دائمون، ثم ضرب مثلا لإنفاقهم مبينًا أنهم مع كفرهم إن أمسكوا لا يغني عنهم شيئًا، وإن أنفقوا لا يقبل منهم، ولو افتدى به لا يُفْتَدَى، فقال تعالى: «مَثَلُ» شبه «مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ» ما يخرجون من أموالهم «فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا» قيل: هو ما ينفقون على الكفار في عداوة الرسول ÷ فإنه يبطل؛ لأنه ÷ منصور من جهته تعالى حين يقتلهم ويسبي ذراريهم يبقى ذلك حسرة عليهم إذا عذبهم اللَّه تعالى عليها في الآخرة، وقيل: هم أبو سفيان وأصحابه أنفقوا