التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون 116 مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر أصابت حرث قوم ظلموا أنفسهم فأهلكته وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون 117}

صفحة 1284 - الجزء 2

  في حرب بدر وغيره، وقيل: هو ما ينفقه المنافقون رياء لله تعالى، عن أبي علي، وقيل: هو ما ينفقون ويظنون أنها قربة، وليس كذلك، وقيل: هو شركهم في الدين وإنفاقهم عليه متقربًا إلى اللَّه تعالى، حكاه الأصم، وقيل: هو صدقات الكافر ونفقاته في الدنيا تهلك لمكان كفره، ولا تقبل منه، وهذا ترغيب في الإيمان ليبقى به ثواب طاعاتهم «كَمَثَلِ رِيحٍ» قيل: تقديره: كمثل حرث أصابته ريح فأهلكته، فشبه عملهم بالحرث، والصِّرّ الذي يهلك بالكفر الذي يبطل ثوابهم، وقيل: تقديره: مثل نفقاتهم كمثل مهلك ريح، فشبه الإنفاق بالمهلك من الحرث «فِيهَا صِرٌّ» قيل: برد شديد، عن ابن عباس والحسن وقتادة والربيع والسدي وابن زيد والضحاك والأصم وأبي علي. وقيل: السموم الحارة القاتلة، عن ابن عباس، وقيل: ريح فيها صوت ونار، عن الأصم «أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ» أي زرعهم «ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ» بالمعاصي، فظلمهم اقتضى هلاك حرثهم عقوبة لهم، وقيل: ظلموا أنفسهم بأن زرعوا في غير موضع الزراعة وفي غير وقته، فجاءت الريح فأهلكته، وهو تأديب من اللَّه تعالى وتعليم بأن يوضع الشيء موضعه «وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّه» في إهلاك زرعهم؛ لأنهم استحقوا ذلك بظلمهم، وقيل: في قتلهم وسبيهم؛ لأنهم استحقوها بكفرهم، وقيل: في إحباط نفقاتهم؛ لأنه انحبط بكفرهم وضلالتهم «وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ» حيث فعلوا ما يستحقون به ذلك.

  · الأحكام: تدل الآية على بطلان نفقة الكافر، و [هو] أحوج ما يكون إليها كرجل زرع فهلك زرعه، ورجا خيره أحوجَ ما يكون إليه.

  وتدل على أنه لا ينتفع بعلمه لكفره وسوء اختياره، فتدل على العدل وبطلان الجبر.

  وتدل على أنه لا يخلق الظلم؛ إذ لو كان أفعال العباد مخلوقة له لكان كل ظلم من جهته، فكان لا يصح نفيه، فيبطل قولهم في المخلوق، وأيضًا فإنه أضاف الظلم إلى العبد، وعندهم ليس بيده شيء.