قوله تعالى: {الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون 27}
  ازدادوا عندها، فأضيف إليه، وكقوله: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ} يعني: ضلوا عنده، عن الأصم وأبي مسلم، والضلال في الأصل هو الهلاك، «وَمَا يُضِلُّ بِه إِلَّا الْفَاسِقِينَ» قيل: لا يهلك به إلا من كفر وفسق، وقيل: لا يضل عنده إلا الفاسقون، والفاسق من خرج من طاعة اللَّه إلى معصيته، ومن ولايته إلى عداوته.
  · الأحكام: الآية تدل على إبطال قول أصحاب المعارف؛ لأنه تعالى مدح المؤمن بالعلم، وفرق بينه وبين الكافر، ولو كان الجميع سواء في المعرفة لما صح ذلك.
  ويدل قوله: «وَمَا يُضِلُّ به إِلَّا الْفَاسِقِينَ» على أن الفسق اسم شرعي؛ لأنه أخرجه مخرج الذم. وتدل على أنه تعالى يعاقب الفاسق لا محالة، بخلاف قول المرجئة.
  وتدل على أن الضلال من اللَّه يكون عقابًا.
  وتدل على أن بيان الأدلة وحل الشبه يجوز بما دق وجل، بعد أن يحصل الغرض المطلوب.
  وتدل على أنه لا يُضِلُّ إلا الفِاسق، خِلاف قول الْمُجْبِرَةِ: إنه يضل المؤمن أيضا.
قوله تعالى: {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ٢٧}
  · اللغة: النقض والهدم والكسر نظائر، وهو إفساد ما أَبْرَمتَ، ونقيضه الإبرام، وهو الإحكام للبناء، ومنه نقض المذهب والدليل، كأنه ليس له أصل يرده إليه، ويهدمه ما يضاده.
  والعهد: الأمر، والعهد: الوصية، والعهد: الموثق، والجمع: عهود، وأصله العقد.
  والميثاق والعهد والعقد نظائر، وأصله الوَثَاقَةُ، وهي إِحكام الشيء، والميثاق: ما وقع التوثيق به، كالميقات ما وقع التوقيت به، وكل مكلف فقد أخذ اللَّه عليه الميثاق بشيئين: بما ركب في عقله من الدلائل والآيات على الصانع المنعم، والثاني: بالأوامر والنواهي على ألسنة الرسل.