قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون 118}
  وقال: «لاَ يَأْلُونَكُمْ» أي لا يقصرون في أمركم، ولا يتركون جهدهم «خَبَالاً» أي فسادًا يعني يبالغون فيما يؤدي إلى فساد أموركم «وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ» أي يحبون إدخال المشقة عليكم، وقيل: ودوا ضلالكم عن دينكم، عن السدي، وقيل: تمنوا أن تفتنوا في دينكم، عن ابن جرير، يعني تحملوا على المشقة فيه، وقيل: مع إظهار محبتكم يودون أن ينزل بكم كل بلاء وضر في أنفسكم ودينكم، عن الأصم «قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ» أي ظهرت أمارات العداوة في كلامهم، قيل: بالشتيمة والوقيعة في المسلمين، وقيل: بإطلاع المشركين على أسرار المؤمنين، وقيل: هُوَ مَثَلٌ مِثْلُ قوله:
  {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} عن الأصم وأبي مسلم، يعني يتبين في فلتات كلامه وسقطات لسانه ما يعلم به أنه عدو له، وقيل: لمخالفتهم إياكم في الدين «وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ» يعني ما يكتمون في قلوبهم من العداوة والبغضاء للمسلمين «أَكبَرُ» أي أعظم مما يظهرون في كلامهم «قَدْ بَيَّنَّا لَكمُ الآيَاتِ» أي أظهرنا لكم من أمور هَؤُلَاءِ ما يعتبرون به، وقيل: بينا الحجج في بطلان أمرهم «إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ» قيل: تعلمون موقع نفعه لكم ومبلغ عائدته عليكم، وقيل: إن كنتم تعلمون أن الفصل بين الولي والعدو هو الإخلاص وتركه، وقيل: إن كنتم تعلمون مواعظ اللَّه ونفعها فاقبلوه، وقيل: إن كنتم تعلمون أن المخالفين لكم في الدين غير ناصحين لكم فلا تطمئنوا إليهم، وقيل: إن كنتم عقلاء فقد أتاكم من اللَّه البيان الشافي، عن أبي مسلم.
  · الأحكام: تدل الآية على منع المؤمنين من اتخاذ الكافر بطانة يفشي إليه سره، ويستشيره في أمره؛ لأنه عدو له، ولأنه لا يدله على خير، ولا يمنعه عن غَيٍّ، وعن عمر أنه منع من الاستعانة بهم، واحتج بالآية.
  واختلف العلماء في الاستعانة بهم في الحروب، فمنهم من منع منه، ومنهم من أجازه، وإنما اختلفوا فيه لأنه خارج من الآية؛ لأنه يجوز أن يستعان به في الحرب، ولا يعتمد مشورته، فلا يكون بطانة له.
  وتدل على أن هَؤُلَاءِ منافقون، يظهرون خلاف ما يضمرون تحذيرًا للمؤمنين من