التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون 118}

صفحة 1286 - الجزء 2

  «وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ» قيل: موضعه نصب؛ لأنه صفة لبطانة، وقيل: لا موضع له؛ لأنه استئناف بالجملة، و (ما) بمعنى المصدر تقديره: ودوا عَنَتَكُمْ كقوله: {وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ} أي بفرحكم، ونظائره يكثر.

  و «مَا عَنِتُّمْ» محله نصب؛ لأن تقديره: ودوا العنت، كقولهم: وددت أن تذهب؛ أي وَدِدْتُ ذهابك.

  و «خَبَالاً» نصب على المفعول الثاني؛ لأن الأَلْوَ يتعدى إلى مفعولين، وقيل: نصب على المصدر أي: يخبلونكم خبالاً، وقيل: بنزع حرف الخافضة أي بالخبال، كقولك: أوجعته ضربًا، أي بالضرب.

  · النزول: قيل: نزلت في قوم صافوا بعض المشركين من اليهود المودة لما كان بينهم في الجاهلية من الصداقة والحلف والجوار والرضاع، فنهاهم اللَّه عن ذلك، عن ابن عباس والحسن.

  وقيل: نزلت في قوم من المؤمنين كانوا يصافون المنافقين ويخالطونهم فنهوا عن ذلك، عن مجاهد وأبي مسلم والقاضي.

  وروى أبو أمامة عن النبي ÷ أنهم الخوارج، فإن صح ذلك الخبر فهو، وإلا فالأليق أنها نزلت في المنافقين؛ لأن وصفهم يأتي من بعد.

  · المعنى: لما تقدم ذكر المؤمنين وذكر الكفار وصفة كل واحد وما أعد لهم وأنهم لا يستوون، نهى المؤمنين عن موالاة الكفار ومخالطتهم خوف الفتنة، فقال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» أي صدقوا أو صاروا مؤمنين، وقيل: إنه خطاب للمنافقين وتقديره: يا أيها الَّذِينَ أظهروا الإيمان، حكاه الأصم، وليس بشيء؛ لأن ما بعده يدل على خلافه «لاَ تَتَّخِذُوا بِطَانَةً» أي أولياء وخواص تفشون إليهم أسراركم «مِنْ دُونِكُمْ» أي من دون أهل ملتكم يعني من ملتكم. ثم بين العلة في المنع وشدة معاداتهم للمسلمين،