قوله تعالى: {هاأنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور 119}
  للمنهي، فقال سبحانه: «هَا أَنْتُمْ أُوْلاءِ» أيها المؤمنون «تُحِبُّونَهُمْ» يعني اليهود والمنافقين الَّذِينَ نهيتكم عن موالاتهم لما بينكم من المصاهرة والمحالفة والرضاعة والجوار «وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ» لما بينكم من مخالفة الدين، وقيل: تحبونهم أي تريدون لهم الإسلام، وهو خير الأشياء، وتدعونهم إلى الجنة، ولا يحبونكم؛ لأنهم يردونكم على الكفر والضلال وهو الهلاك، وقيل: يحبهم المؤمنون لما أظهروا من الإيمان، ولا يعلمون ما في قلوبهم، وهم لا يحبونكم لما في قلوبهم من الكفر والنفاق، عن أبي العالية ومقاتل «وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كلّهِ» ذكر الكتاب بلفظ الواحد؛ لأنه ذهب به مذهب الجنس كقولهم: قد كثر الدرهم في أيدي الناس، قيل: لأنه مصدر من قولك: كتب كتابًا، فالكتاب ههنا بمعنى كُتب اللَّه الذي أنزلها على أنبيائه، ومعناه تصدقون بجميع الكتب، وهم لا يصدِّقون بكتابكم «وَإذَا لَقُوكم» رأوكم «قَالُوا آمَنَّا وَإذَا خَلَوْا» يعني خلا بعضهم إلى بعض «عَضُّوا عَلَيكُمُ الأنَامِلَ» أطراف الأصابع، عن قتادة والربيع «مِنَ الغَيظِ» من الغضب والحنق؛ لما يرون من ائتلاف المؤمنين واجتماع كلمتهم، ونصرة اللَّه إياهم، وهذا مثل، وليس ثَمَّ عضّ. كقول الشاعر:
  إذَا رأَوْني أطال اللهُ غَيْظَهُمُ ... عَضُّوا مِنَ الغَيْظِ أطرافَ الأَباهِيمِ
  وقال أبو طالب:
  يَعضّونَ غَيظًا خَلفَنا بِالأنَامِلِ
  «قُلْ» يا محمد لهم «مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ» صيغته صيغة الأمر، ومعناه الدعاء عليهم، كأنه قيل: أماتكم اللَّه بغيظكم، وفيه معنى الذم لهم، وقيل: معناه دام لكم الغيظ مما ترون من علو الإسلام إلى أن تموتوا «إِنَّ اللَّهَ عَلِيم بِذَاتِ الصُّدُورِ» أي بما تضمرونه في قلوبكم، فيجازيكم عليه، وقيل: عليم بما تضمرونه من النفاق والغيظ على المسلمين.