التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم 121 إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون 122}

صفحة 1292 - الجزء 2

  تَمْسَسْكُمْ» أي تصيبكم أيها المؤمنون «حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ» تغمهم «وَإنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ» مصيبة «يَفْرَحُوا بِهَا» قيل: الحسنة هو الظفر على الأعداء وعلو كلمة الإسلام، وتتابع الناس بالدخول فيه، والخصب في العيش، فيحزن المنافقون بذلك، والسيئة: محنة تصيب المؤمنين من جهة العدو، أو فرقة أو نحو ذلك، يفرحوا بها عن الحسن وقتادة والربيع وابن جريج وجماعة من المفسرين «وَإنْ تَصْبِرُوا» على آذاهم، وعلى طاعة اللَّه وطاعة رسوله، والجهاد في سبيله «وَتَتَّقُوا» تجانبوا مخالفة أمره ونهيه «لاَ يَضُرُّكُمْ» أيها المؤمنون «كَيدُهُمْ» أي مكر المنافقين وما يحتالون عليكم «شَيئًا» يعني لا قليلاً ولا كثيرًا؛ لأنه تعالى ينصركم، ويدفع شرهم «إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ» أي عالم بجميع ما يفعلونه ويضمرونه، قادر على دفع شرهم ومجازاتهم على كيدهم، وقوله: «مُحِيطٌ» توسع، والمراد قدرته وعلمه يحيط بهم، وقيل: معناه عالم بضمائرهم، فيطلعكم عليه، فلا ينفذ كيدهم، عن أبي مسلم.

  · الأحكام: تدل الآية على عظم حسد المنافقين لأهل الإسلام وغيظهم حتى يفرحوا بمصائبهم، ويحزنوا بمسارهم، وتدل أن مع الصبر على أمر اللَّه لا ينفذ كيدهم.

  وتدل أن نصرته تعالى العبد إنما تحصل بالتقوى والطاعة له، ومتى لم تحصل التقوى لا يحصل له النصر، وهو عام، فيدل أن ثواب الآخرة أيضًا لا يحصل إلا بالتقوى؛ لأنه من أعظم النصر.

قوله تعالى: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ١٢١ إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ١٢٢}

  · القراءة: قرأ العامة: «تُبَؤِّئُ» بالتشديد والهمز من قولهم: بَوَّأْتُهُ منزلاً أي أسكنته، وعن