قوله تعالى: {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين 139 إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين 140}
  شُهَدَاءَ» قيل: ليكرم بالشهادة من قتل يوم أحد عن الحسن وقتادة وابن إسحاق، وقيل: يتخذ منكم شهداء على الناس بما يكون منهم من العصيان لما في ذلك من الرفعة وجلالة المنزلة، عن أبي علي وأبي القاسم، وسموا شهداء لمشاهدتهم الأعمال التي يشهدون بها، وقيل: لأنهم يشهدون لله على خلقه يوم القيامة، وقيل: بذلوا الروح عند شهود الوقعة ولم يفروا «وَاللَّهُ لاَ يُحب الظَّالِمِينَ» أي لا يريد كرامة من عصاه بظلم نفسه لمخالفة أمره، وقيل: نبه بهذا أن هذه التخلية لم تكن لحبه إياهم، فإنه لا يحب الظالمين، بل مصلحة لكم وتأديبًا حين خالفتم أمر الرسول ÷.
  · الأحكام: تدل الآية أن العاقبة الجنة للمتقين وإن نالهم في الحال ما يكره، وتدل على أن الظفر والنصر وإن وجب للمؤمن ففي العاقبة، وأن ما ينال الكافر من الدنيا من أسبابها في الحال فهي خذلان في الحقيقة لما يؤدي إلى أليم العقاب، فهو كالطعام المسموم؛ لأنه لا يعد نعمة، وتدل على أنه يخلي بين المؤمن والكافر في بعض الأحوال لضرب من المصلحة، وليعلموا أن أحوال الدنيا لا تستمر، ولا ينبغي أن يركن إليها، وأنه يجب العمل للدار التي يستمر سرورها، وتدل أنه لا يريد الظلم حيث لا يحب الظالم فيبطل قول الْمُجْبِرَةِ في المخلوق والإرادة.
  فإن قيل: فهل يجوز حصول الدولة للكافر علي المؤمن من جهته تعالى؟
  قلنا: اختلفوا فيه، فمنهم من جوزه ابتلاء ومحنة تنبيهًا على احتقار الدنيا، فأما شيوخنا فامتنعوا أشد الامتناع، وقسموا أسباب الدنيا إلى قسمين: ما كان من ملك ونعمة وقوة وعدة، فيجوز أن يحصل للكافر من جهته تعالى، وجعلوا ذلك بمنزلة الآلات والتمكين، وما كان في ذلك أمر ونهي ونصرة وتأييد وأحكام، فلا يجوز؛ ولذلك قال تعالى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} وحملوا الآية على ما يحصل في الدنيا من المحن، وربما ينزل بالمؤمن، وربما ينزل بالكافر بحسب المصلحة، واتفق العلماء أن في الآخرة لا فوز للكافر.