قوله تعالى: {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين 139 إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين 140}
  في ذلك اليوم، فقد ساويتم الخصم، ومن ساوى خصمه لا ينبغي أن يضعف ويحزن، وقيل: ما أصابكم من البلوى وأنتم على الحق مثل ما أصاب عدوكم، وهم على الباطل. وروي أن أبا سفيان صعد إلى الجبل يوم أحد، وقال: الحرب سجال يوم لنا ويوم لكم، فقال ÷: «أجيبوه» فقالوا: لا سواء، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار، فقال: لنا عزى ولا عزى لكم، فقال، ÷: «قولوا: اللَّه مولانا ولا مولى لكم»، فقال أبو سفيان: اعْلُ هبل، فقال ÷: «اللَّه أعلى وأجل».
  «وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَينَ النَّاسِ» قيل: نصرفها مرة لفِرْقَةً ومرة عليها، عن الحسن وقتادة والربيع والسدي وابن إسحاق، وقيل: أيام الحرب دول، وقيل: تلك الأيام في الخير والشر دول نداولها يعني مرة يلقي الرعب في قلوب الكفار فينهزمون، ويثبت قلوب المؤمنين إذا أطاعوا اللَّه ورسوله فيثبتون، ومرة يخلي بينهم إذا عصوا وبين عدوهم تأديبًا لهم، والمؤمنون على كل حال منصورون ولهم العاقبة، وقيل: أيام الدنيا دول صحة وسقم، وسرور وغم، ولذة وألم، وفرحة وتَرْحَة، لا تدوم على حال بل يصرفه كذلك كما توجبه المصلحة «وَلِيَعْلَمَ اللَّه» قيل: معناه ليظهر المعلوم من صبر من يصبر، وجزع من يجزع، وإيمان من يؤمن، وقيل: ليظهر المعلوم من الإخلاص والنفاق، وقيل: ليعلم أولياء اللَّه، فأضاف إلي نفسه تفخيمًا، وقيل: معناه ليميز، فوضع العلم موضع التمييز؛ لأن بالعلم يحصل التمييز، وقيل: ليعلم ذلك واقعًا منهم كما كان يعلم أنه سيقع، كقوله: {حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ} أي لنعلم واقعًا، وتحقيقه ليقع المعلوم فيصير موجودًا مشاهدا؛ لأن المجازات تقع على الواقع دون المعلوم الذي لم يوجد. وقيل: العلم عبارة عن الرؤية يعني لنرى، والرؤية طريق العلم فجاز أن تضع أحدهما موضع الآخر.
  ويقال: الواو في قوله: «وَليَعْلَمَ» ما معناه؟
  قلنا: فيه زيادة أي ليعلم، وقيل: واو عطف، عطف به جملة على جملة، وقيل: المراد وليعلم المؤمن من المنافق، فاستغنى بذكر أحدهما عن الآخر «وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ