التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين 144}

صفحة 1331 - الجزء 2

  · الأحكام: تدل الآية أنه ÷ آخر الأنبياء؛ لأنه ذكر أن الرسل خلت من قبله، فَعَمَّ ولم يخص، وتدل على الإخبار عن موته، وأن طاعته تعالى لا تختلف بحياته وموته، بل يجب أن يعبد ويطاع في جميع الأحوال، وتدل على أن الجهاد لازم في شريعته.

  وتدل على جواز الموت على الأنبياء وأنهم ماتوا، وقد حدث بعد وفاته خلاف في هذه القصة، ثم زال عن قرب، فكان عمر أنكر موته وتهدد من تزعم أنه مات، وذكر أن اللَّه تعالى رفعه حتى خرج أبو بكر وقد رأى رسول اللَّه ÷ وقال: من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد اللَّه فإنه حي لا يموت، ثم تلا هذه الآية، وقد طعن بعض الرافضة على أبي بكر في هذا وزعم أنه كالشماتة بموته، وهذا باطل؛ لأنه أزال شبهة عظيمة، وبَيَّنَ ما يوافق الشريعة وكتاب اللَّه تعالى، وفيه تشجيع للمؤمنين وتوهين للكافرين، وطعن بعضهم على عمر، فإنه لم يعرف جواز الموت عليه، وليس كذلك؛ لأنه كان يقول بتأخر موته حتى يظهره على الدين كله، فأزال ذلك أبو بكر، وقيل: إنه رأى شماتة المنافقين، فقال ذلك حتى أخبره أبو بكر بموته.

  وذكر شيخنا أبو علي في وجه الحكمة في تبقية إبليس، وموت النبي، ÷ أن كلاً من الخلق مستغن عنه، وإنما لا يستغنى عن اللَّه قط، فإذا أدى الرسول الرسالة وعلم تعالى أن الصلاح في غيبته عنهم جاز أن يميته ويرفعه إلى جنات السماء، ويكون الصلاح في تبقية إبليس لشدة المحنة، وما ترويه الحشوية أنه ÷ قال: «لو أراد اللَّه ألّا يعصى لما خلق إبليس». وهذا ليس بصحيح؛ لأنه ثبت أنه أراد أن يطاع، كما ثبت أنه أمر بأن يطاع، على أنه يقال للمجبرة: أي تعلق لخلق إبليس بهذا؟ وما يفعله هو من الوسوسة، وما يفعله العاصي من العصيان إنما هو خلقه تعالى عندهم، فأي فائدة في خلق إبليس على طريقتهم؛ لأنه إذا خلق الضلال كان ضالاً سواء كان إبليس أو لم يكن، ولو لم يكن الضلال مخلوقًا لم يكن ضالاً، وإن كان ألف مثل إبليس،