قوله تعالى: {وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين 144}
  بعضهم، وكان سبب تضعضعهم إخلاء الرماة لمكانهم مع نهي النبي ÷ إياهم، وتحذيره عن الانصراف من الشِّعب الذي ألزمهم الوقوف عنده، عن ابن عباس وقتادة ومجاهد والضحاك، وقيل: تآمروا بالرجوع إلى قومهم، فقال بعضهم: نستأمن أبا سفيان، وزعم أهل النفاق إن كان محمد قُتِلَ فالحقوا بدينكم، فقال بعض الأنصار: إن كان محمد قتل فإن رب محمد لم يقتل، فقاتلوا على ما قاتل محمد، ثم قال: اللَّهم إني أبرأ إليك مما جاء به هَؤُلَاءِ، ثم قاتل حتى قُتِلَ، قال الأصم: هرب بعضهم مسيرة ثلاث ليال، ومنهم من لحق بالشام.
  · المعنى: ثم بيّن تعالى أنه لا ينبغي أن يترك أمر اللَّه، يعني كان الرسول بين أظهرهم أو لم يكن، فقال تعالى: «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ» يعني أنه بشر اختاره اللَّه لرسالته إلى خلقه «قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ» أي مضت قبله رسل بعثوا فأدوا الرسالة ومضوا وماتوا، فلا ينبغي لهم أن يتركوا أمر اللَّه بموت نبيهم، فإنه كسائر الأنبياء في أن الموت سينزل به، فإذا أدى الرسالة وبين الشريعة فالمعبود هو اللَّه تعالى وهو الباقي الدائم فيجب التمسك بأمره، وقيل: أراد أن أصحاب الأنبياء لم يرتدوا عند موتهم فاقتدوا بهم، ثم أكد ذلك فقال سبحانه: «أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ» يعني. أماته اللَّه أو قتله الكفار «انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ» أي ارتَدَدْتُم كفارًا بعد إيمانكم؛ لأن الرجوع عن الحق إلى الباطل بمنزلة الرجوع القهقرى في القبح والتنكيل بالنفس «وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيهِ» يعني من يرتد عن دينه «فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ» أي لا ينال اللَّه من ذلك مضرة؛ لأنه لا يجوز عليه المنافع والمضار، وإنما الضرر يعود عليهم «وَسَيَجْزِي اللَّه الشَّاكِرِينَ» يعني أنه مع غناه عن طاعة خلقه يجزي عباده على شكرهم إياه وطاعتهم له.
  فإن قيل: كيف يتصل قوله: «وَسَيَجْزِي اللَّه الشَّاكِرِينَ» بما قبله؟
  قلنا: اتصال الوعد بالوعيد كأنه قيل: من يرتد فضروه عليه، ومن شكر وآمن فنفعه يعود عليه.