قوله تعالى: {وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها وسنجزي الشاكرين 145}
  ويُقال: كيف يتصل قوله: «وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا» بما قبله؟
  قلنا: للحث على الجهاد، فإذا كان الموت من جهته فلا يختلف بالجهاد وتركه، فلا ينبغي أن تمنعه الدنيا عنه.
  · المعنى: «وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ» أي ما ينبغي لنفس أنْ تموت «إِلَّا بِإِذْنِ اللَّه» قيل: بعلمه، وقيل: بأمره «كِتَابًا مُؤَجَّلًا» يعني كتب اللَّه لكل حي أجلاً ووقتًا لحياته، ووقتًا لموته لا يتقدم ولا يتأخر، وقيل: معناه ما كان لنفس أن تموت إلا بإذن اللَّه وقد علم وكتب اللَّه أجل حياته وموته؛ إذ لو وقع خلافه لم يكن علمًا، وقيل: كتب اللَّه لمحمد أجلاً هو بالغه لا شك، وقيل: حكمًا من اللَّه وحَتْمًا مؤقتًا عن أبي مسلم، وقيل: كتب اللَّه في اللوح المحفوظ عن مقاتل، «وَمَنْ يرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا» أي جزاء الدنيا «نُؤْتِهِ مِنْهَا» أي نعطه منها «وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا» أي جزاء الدار الآخرة، وهي الجنة نعطه منها، قيل: أراد من عمل للدنيا لم نحرمه ما قسمنا له فيها من غير حظ في الآخرة، عن أبي إسحاق، أي لا يغنى بحاله في الدنيا، وقيل: من أراد بجهاده ثواب الدنيا وهو النصيب من الغنيمة عن أبي علي، وقيل: من يرد ثواب الدنيا بالتعرض له بعمل النوافل مع مواقعة الكبائر جوزي بها في الدنيا من غير حظ في الآخرة لإحباطه عمله بفسقه، وقيل: من يرد بجهاده الغنيمة نعطه منها، ومن يرد الجنة نؤته الجنة، ولا نحرمه الغنيمة، وقيل: من يرد ثواب الدنيا نؤته منها ما كان صلاحًا له، وقيل: إن هذه الآية مجملة، وبيانه في قوله: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ}، وقيل: من يرد ثواب الآخرة نؤته منها إذا لم يحبطه بعمله، وقيل: نؤته ما وعدناه له فيها مع ما كتبنا له من رزقه في الدنيا «وَسنجْزِي الشَّاكِرِينَ» أي نعطيهم جزاء الشكر، وفي تكراره قيل: تأكيد وتنبيه على عظيم منزلة الشاكر، وقيل: وسنجزي الشاكرين من الرزق في الدنيا، عن ابن إسحاق، لئلا يُتَوَهَّمَ أن الشاكر يحرم ما يعطي الكافر من نعيم الدنيا؛ إذ ليس في الآية أنه لا يؤتيه ذلك، وقد قال تعالى: «فَآتاهُمُ اللَّه ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ».