قوله تعالى: {ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين 152}
  الذي أعطاه وهم يطيعون فانصرفوا، فلما كان سبب الانصراف تخليته إياهم جاز إضافته إليه في معنى قول الأصم وأبي مسلم، وقيل: ثم صرفكم عنهم بأن لم يأمركم بمعاودتهم من فورهم ليبتليكم بالمظاهرة في الإنعام عليكم، والتخفيف عنكم عن أبي القاسم «لِيَبْتَلِيَكُمْ» أي ليختبركم، يعني يعاملكم معاملة المختبر، فيتميز المخلص من المنافق، وقيل: خلاكم من عصمته لمخالفتكم أمر رسوله حتى صرتم إلى البلاء، وقيل: جعل ذلك محنة عليكم لتتوبوا ولا تعاودوا عن أبي مسلم «وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ» قيل: صفح عنكم بعد أن خالفتم أمر الرسول، وندمتم فلم يعاقبكم بعد ندمكم، وقيل: عفا عنكم فلم يستأصلكم بعد المخالفة، وقيل: تجاوز عنكم فلم يؤاخذكم بذنبكم عن الكلبي، ويجوز أنه وقع صغيرة منهم لعظم ثوابهم عند اللَّه «وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ» أي ذو منة ونعمة على المؤمنين بنعيم الدنيا والدين، وقيل: بغفران ذنوبهم، وقيل: بأن لم يستأصلهم كما فعل بِمَنْ كان قبلهم، وعن الحسن أنه قرأ «وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ» ثم صفق بيده، وقال: كيف عفا عنهم وقد قُتِلَ منهم سبعون، وقُتِلَ عمُّ رسول اللَّه ÷ وكُسِرَتْ رباعيته، وشُجَّ في وجهه؟ ثم يقول الحسن: وهَؤُلَاءِ مع رسول اللَّه وفي سبيل اللَّه غضاب لله يقاتلون أعداء الله، نهوا عن شيء فضيعوه، فواللَّه ما تركوا حتى غموا بهذا الغم، ثم أَفْسَقُ الفاسقين اليوم يجترئ على كل كبيرة، ويركب كل داهية، وتسحب عليه ثيابه، ويزعم أنه لا بأس عليه فسوف يعلم. ذكر الخبر الشيخ أبو حامد في تفسيره.
  · الأحكام: تدل الآية على أنه تعالى صَدَقَهم الوعد بالنصر، وإنما أُتُوا بما أُتُوا لمخالفتهم أمر نبيهم ÷.
  وتدل على أنه تعالى عفا عن أولئك ما حدث منهم، فلا يلحقهم بعد ذلك لوم، وذلك يبطل قول الرافضة في طعنهم على أفاضل الصحابة بأنهم هزموا يوم أحد.
  وتدل على وقوع الإنابة والندم عنهم حتى عفا عنهم، عن أبي مسلم.
  وتدل على أن الأفاضل منهم انصرفوا بأمر اللَّه فلا حرج عليهم فيه.
  وتدل على أن الحَسَّ والفشل والتنازع فِعْلُهم، وكل ذلك العصيان وإرادة الدنيا والآخرة، لذلك أضافه إليهم ووصفهم به، وذلك يبطل قول الْمُجْبِرَةِ في المخلوق.