قوله تعالى: {ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضل على المؤمنين 152}
  تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ» تقتلونهم قتلاً ذريعًا «بِإِذْنِهِ» قيل: بعلمه، وقيل: بأمره، وقيل: بلطفه، وأكثر المفسرين على أن المراد به يوم أُحد، وقال بعضهم: إن المراد به يوم بدر «حَتَّى إِذَا فَشلْتُمْ» جبنتم «وَتَنَازَعْتُم فِي الأَمْرِ» اختلفتم وعصيتم أمر نبيكم، قيل: تقديره حتى إذا عصيتم وتنازعتم فشلتم، وقيل: الواو لا توجب الترتيب فمعناه عصيتم وفشلتم وتنازعتم فعلتم جميع ذلك وامتحنتم، وقيل: حتى إذا عصيتم تنازعتم وفشلتم، وتنازُعُهُم: أن الرماة لما رأوا هزيمة الكفار قالوا: انهزم القوم فما مقامنا؟ وقال بعضهم: لا تجاوزوا أمر رسول اللَّه، ÷، فثبت عبد اللَّه بن جبير في نفر يسير دون العشرة، وانطلق الآخرون، فكان ما كان «وَعَصَيتُمْ» تركتم أمر رسول اللَّه في لزوم المكان «مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ» أي فعلتم ذلك من بعد ما أراكم يا معشر المؤمنين «ما تُحِبُّونَ» من هزيمة القوم والظفر والغنيمة، وقيل: من الفتح عن الحسن، وكلهم قالوا: إنه يوم أحد، وقيل: ما أراكم ما تحبون من عدوكم يوم بدر عن أبي علي «مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا» يعني الغنيمة ويقصد، الَّذِينَ أخلوا بالمكان الذي رتبهم فيه «وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ» بثبوته في الشِّعب الذي أمرهم به، وعن ابن مسعود: ما كنت أدري أن أحدًا من أصحاب محمد يريد الدنيا حتى نزلت هذه الآية. وقيل: إنه كلام اعترض في أثناء هذه القصة، وهو خطاب للناس دون أصحاب النبي ÷، وأن من الناس من يريد الدنيا، ومنهم من يريد الآخرة، والأول الوجه؛ لأنه نسق الكلام «ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ» أي ردكم أيها المؤمنون عن الكفار بالهزيمة.
  فإن قيل: كيف أضاف صرفهم عن الكفار إلى نفسه، وهو معصية؟
  قلنا: فيه وجوه: قيل: كانوا فريقين: منهم مَنْ عصى بالانصراف، ومنهم من لم يعص؛ لأنهم ولوا بعد انهزام الفرقة الأولى فانصرفوا بأمر اللَّه كي لا يقتلوا، فجاز أن يذكر صرف الفريقين بأن صرفهم وعفا عنهم، يعني صرف بعضهم وعفا عن بعض عن أبي علي، ويجوز أن تشتمل الآية على فريقين، وتعود الكناية على أحدهما، كقوله تعالى: {ثَانِيَ اثنَينِ} إلى آخر الآية، وكقوله: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا} وقيل: خلى بينهم ومنعهم - لأجل عصيانهم - تأييده