التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون هل لنا من الأمر من شيء قل إن الأمر كله لله يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور 154}

صفحة 1357 - الجزء 2

  ومتى قيل: لم ذكر الابتلاء وقد سبق ذكره في قوله: «ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ»؟

  فجوابنا أنه لما طال الكلام أعاد ذكره وعطف بالواو على الأول، وقيل: الابتلاء الأول عند هزيمة المؤمنين، والثاني عند سائر الأحوال الجارية بينهم وبكَتبهِ للقتل عليهم.

  «وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ» قيل: ليطهر قلوبكم، وقيل: ليمحصكم بالعبادة بما يطهر به ما في قلوبكم، وقيل: ليكفر عنكم السيئات فيمحصها بذلك عنكم عن أبي علي، «وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ» أي بما يضمر كل أحد في قلبه من إيمان المؤمنين ونفاق المنافقين وغير ذلك من خير وشر، وقيل: إنه كان يعلم إسراركم فيما ابتلاكم لا لاستفادة علم، وإنما ابتلاكم ليظهر أسراركم فيقع الجزاء على ما ظهر.

  · الأحكام: تدل الآية على أنه تعالى خص بالأمنة المؤمنين ليعلم حالهم فيوالي المؤمنين دون المنافقين.

  وتدل على معجزة الرسول ÷ حيث أخبرهم عن ضمائرهم، وذلك مما لا يطلع عليه أحد إلا اللَّه تعالى ومن يطلعه عليه من رسله، ويدل قوله: «لَوْ كنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ» أن المقتول قد يكون معلومًا موته في ذلك الوقت لو لم يقتل فكان يموت لا محالة، خلاف قول البغدادية أنه لو لم يقتل لعاش لا محالة.

  وتدل على أن ما كتب اللَّه يكون لا محالة ويكون قضاءً حتمًا.

  وتدل على أن اللطف في التكليف لا بد أن يقع؛ لأنه بيّن أنه لو لم يقع القتل في الجهاد لكان سيحصل ما يقع منه التمحيص والابتلاء، وذلك يدل على قولنا في اللطف.

  وتدل على أن أفعال القلوب يؤخذ بها العبد خلاف قول بعضهم: إنه إن هم بسيئة ولم يفعل فلا إثم عليه.

  وتدل أن ذلك الظن والقول فِعْلُ العبد حادث من جهتهم؛ لذلك صح ذمهم عليه، فيبطل قول الْمُجْبِرَةِ في المخلوق.