التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون هل لنا من الأمر من شيء قل إن الأمر كله لله يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور 154}

صفحة 1356 - الجزء 2

  شَيءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا»، «يَقُولُونَ» يعني المنافقين بعضهم لبعض «لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا» يعني لو كان الأمر باختيارنا ما خرجنا إلى هَؤُلَاءِ ولا قُتلنا ولكنا أخرجنا كرهًا عن الحسن، وقيل: لو كان الأمر على ما وُعدنا من النصر والغلبة والظفر لنا لم يقتل من قتل منا، وكان هذا شكًّا منهم في وعد اللَّه عن أبي مسلم، «قُلْ» يا محمد لهم في جواب ذلك «لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ» يعني لو كنتم في بيوتكم فلم تخرجوا إلى البراري لخرج إلى بَرَاز من الأرض الذين كُتب عليهم القتل «إِلَى مَضَاجِعِهِمْ» مصارعهم، قيل: فيه قولان:

  الأول: لو تخلفتم لخرج منكم الَّذِينَ كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم، يعني مصارعهم، والمواضع التي يصرعون فيها قتلاً، ولم يكن ينجيكم قعودكم؛ لأنه إذا علم تعالى أنهم يقتلون فيكون معلومه كما علم عن أبي علي.

  الثاني: لو تخلفتم عن الجهاد لخرج المؤمنون ولم يتخلفوا بتخلفكم عن أبي القاسم، وجوز الأصم وأبو مسلم الوجهين، فعلى الأول يعني كتب عليهم أي كتب آجالهم وموتهم في ذلك الوقت وذلك المكان في اللوح المحفوظ، وعلى القول الثاني كتب عليهم القتل أي فرض عليهم الجهاد من المؤمنين فكانوا لا يتخلفون بتخلف المنافقين، وقيل: إنه تعالى أخبر أن ما عَلِمَ كَوْنَهُ يكون كذلك لا محالة، «وَلِيَبْتَلِيَ اللَّه مَا فِي صُدُورِكُمْ» قيل: ما أمركم به من الجهاد ونصرته ببدر وتخليته في أحد كل ذلك ابتلاء عن أبي علي، وأما معنى الابتلاء فهو أنه يعاملكم معاملة المختبر لكم ليكون الجزاء على المفعول لا على المعلوم؛ مظاهرة في العدل فذكر الاختبار لهذا الوجه، وقيل: ليبتلي أولياءُ اللَّه ما في صدوركم إلا أنه أضاف الابتلاء إلى نفسه تفخيمًا لشأنهم كقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤذُونَ اللَّهَ} أي: أولياء اللَّه، وقيل: إنما ذكر الابتلاء لأن عنده يتميز المؤمن من المنافق، وقيل: ليظهر للخلق المخلص من المنافق.