التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون 30}

صفحة 309 - الجزء 1

  ووزنه مَفْعَل؛ لأن أصله مَلْأَك حذفت الهمزة، وألقيت حركتها على ما قبلها، ولا يجوز استعمالها على الأصل إلا في ضرورة الشعر، والملك إن كان أصله الرسالة فقد صار صفة غالبة على صنف من رسل اللَّه غير البشر، كما أن السماء وإن كان أصلها الارتفاع صار اسمًا غالبًا للسماوات المعروفة.

  والجعل والخلق والفعل والإحداث نظائر، جعل فهو جاعل، إلا أن الجعل يتعلق بالشيء لا على سبيل الإيجاد، بخلاف الفعل، والإحداث: الإيجاد، يقال: جعلته متحركًا، فحقيقة الجعل تغيير الشيء عما كان عليه، وحقيقة الفعل والإحداث الإيجاد.

  والخليفة والإمام واحد في الاستعمال، وبينهما فرق، والخليفة مأخوذ من أنه خلف غيره يقوم مقامه كما قيل: أبو بكر خليفة رسول اللَّه، والإمام مأخوذ من التقدم سمي به لأنه متقدم على الجماعة، ويجب طاعته. والخلَف بنصب اللام من الصالحين، وبسكون اللام من الطالحين؛ قال تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ} والخليفة من اسْتُخْلِفَ مكان مَنْ قَبْلَهُ، ودقوم مقامه. والجن كانت عمار الأرض وسكانها فخلق اللَّه تعالى آدم وذريته خليفة منهم يعمرونها ويسكنونها.

  والسفك والسفح والصب نظائر، سفك الدم يَسْفِكُ سَفْكًا، وهو صب الدم، والدم أحد الأخلاط الأربعة في البدن التي بها قوام الأبدان فيما أجرى اللَّه تعالى العادة به في تدبير الحيوان، يقال: دَمُ ودَمَانِ ودِمَاء، ووزنه فَعْل مثل ضَرْب، وأصله دَمْيٌ، وإنما حرك لإقامة الوزن، وقيل: وزنه فَعَل كأنه دَمَيٌ في الأصل.

  والتسبيح التنزيه، وهو براءة اللَّه من كل سوء، وسبحان اللَّه تنزيه له عما لا يليق به من الشريك والصاحبة والأفعال القبيحة، ثم يراد بالتسبيح الصلاة، وأصله السبح وهو الجري في الشيء، فكأن المسبح يجري في تنزيه اللَّه وتعظيمه، وهو السبوح المستحق للتنزيه والتعظيم.

  والتقديس: التطهير، ونقيضه التنجيس، والقدس منه، والقدوس: المقدس أي المطهر، وتقديس اللَّه تنزيهه عن القبائح وصفات النقص قال رؤبة: