التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون 30}

صفحة 311 - الجزء 1

  ويُقال: (إذ) لما مضى، و (إذا) لما يستقبل، فيوضع أحدهما موضع الآخر، وقال المبرد: إذا جاء (إذ) مع المستقبل كان معناه على الماضي كقوله تعالى: {وَإِذ يَمكُرُ} و (إذا) متى جاء مع الماضي كان معناه المستقبل كقوله تعالى: {فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ} و {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ} ويقال: ما العامل في (إذ)؟

  قلنا: محذوف، تقديره: واذكر إذ قال، وقيل: لما ذكر خلق السماوات دل على ابتداء الخلق، فكأنه قال: وابتدأ خلقكم إذ قال، وقيل: وهو عليم بأحوالكم إذ قال، وفي الوجه الأول في الكلام دليل على المحذوف؛ لأن قوله: {كيفَ تَكفُرُونَ} تقديره: اذكر كيف تكفرون، قال الشا عر:

  فَإِنَّ المنية مَنْ يَخْشَهَا ... فَسَوْفَ تُصَادِفُهُ أَيْنَمَا

  يعني أينما ذهب، فحذف لدلالة الكلام عليه.

  ويقال: ما الألف في قوله: «أَتَجْعَلُ فِيهَا»؟

  قلنا: ألف إيجاب عن أبي عبيدة والزجاج، كقول جرير:

  ألسْتُمْ خَيْرَ مَنْ رَكِبَ المَطَايَا ... وَأَنْدَى العَالَمِينَ بُطَونَ رَاحِ

  فهذا إيجاب وليس باستفهام، وقال غيرهما: هو ألف استفهام كأنهم قالوا: أتجعل فيها من يفسد وهذه حالنا في التسبيح أم الأمر بخلاف ذلك؟ فجاء الجواب على طريق التعريض بالمعنى من غير تصريح به في قوله: (أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) والصواب هو الثاني، وإنما غلط من زعم أنها ألف إيجاب؛ لأنه تعالى قال: «إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً» ولا يجوز أن يَشُكُّوا ويستفهموا، وهذا لا يصح؛ لأن الاستفهام لا يوجب الشك في أنه سيجعل، وإنما يوجب الشك في أن حالهم يكون مع الجعل وترك الجعل سواء في الاستقامة والصلاح، أيضًا فإن أصله الاستفهام فلا