قوله تعالى: {لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق 181 ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد 182}
  لطفًا لا ليعلم، أوِ لئلا يذهب عنه. لأنه عالم بذاته لم يزل ولا يزال ولا يجوز عليه النسيان «وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ الأَنْبِيَاءَ» يعني نكتب عليهم قتلهم الأنبياء، قيل: يكتب على أسلافهم، وقيل: يكتب عليهم لرضاهم بما فعل آباؤهم من قتل الأنبياء، وقيل: لهم أي لهَؤُلَاءِ الكفار، واختلفوا متى يقال ذلك، قيل: عند الموت، وقيل: عند المحاسبة وبعد قيام الحجة، وقيل: عند دخول النار، وقيل: إنما يقال ذلك على وجه الإياس لهم من النجاة «ذُوقُوا» هذا توسع؛ لأن الذوق في غير المأكول يستعمل مجازًا «عَذَابَ الْحَرِيق» قيل: الحريق، وقيلِ: عذاب النار، وقيل: الحريق. المحرق، فعيل بمعنى مُفْعِل كأليم بمعنى مؤلم «ذلِكَ» أي يقال لهم: ذلك العذاب «بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ» يعني بما استحققتم على ما سلف منكم من الجرائم، وإنما أضاف إلى اليد، على عادة العرب في إضافة الفعل إلى اليد، ولأن أكثر التصرفات باليد فأضيف إليه «وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ» يعني لا يظلم أحدًا بأن يعاقبه بغير ذنب أو يمنعه ما استحقه من ثواب، وذكره بلفظ يوجب التكثير تأكيدًا لنفي الظلم عنه.
  · الأحكام: تدل الآية على أن الأعمال تكتب في الصحف، وقد ورد الكتاب بذلك في مواضع.
  وتدل علي أن قتل الرسول يصح ممن لا يعرف التوحيد؛ لأنه تعالى بيّن أنه كما يكتب عليهم الجميل بِاللَّهِ يكتب عليهم قتل الرسول وتكذيبه.
  وتدل على أن العذاب يستحق بما كسبت يده فيبطل قول الْمُجْبِرَةِ.
  وتدل على أنه لا ظلم في أفعاله، فيبطل قولهم في أنه يعاقب الأطفال والمجانين، وأنه يجوز أن يخلق فيهم الكفر ثم يعذبهم؛ لأنه لا ظلم أعظم من ذلك فيبطل قولهم.
  وتدل على أنه لولا المعاصي لكان العقاب ظلمًا وذلك أيضًا يبطل قولهم.