التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {لتبلون في أموالكم وأنفسكم ولتسمعن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور 186}

صفحة 1418 - الجزء 2

  «لَتُبْلَوُنَّ»، وقيل: لما بيّن أن الدنيا دار الغرور بيَّن أنها دار ابتلاء وإنما زوي عن المؤمنين لمصلحة التصبر فليؤجروا عن الأصم، وقيل: لما بين أن الدنيا دار الغرور بيّن أنها طريق إلى نيل الآخرة ليتزود منها عن القاضي.

  · المعنى: «لَتُبْلَوُنَّ» لتختبرن «فِي أَمْوَالِكُمْ» أي بالمصائب في أموالكم، قيل: هو ما أوجب عليهم، وقيل: هو الإنفاق في سبيل اللَّه، وقيل: هو ما يلحقهم من نقصان المال، وفي أنفسكم بالمصائب والأمراض، وقيل: بموت الأقارب، وقيل: هم المهاجرون أخذ الكفار مالهم وباعوا أرياعهم وعذبوهم في اللَّه عن عطاء، وقيل: هو ما فرض في أموالهم وأنفسهم من الحقوق كالصلاة والزكاة والحج والجهاد وكل ما أمر به عن الحسن، «وَلَتَسْمَعُنَّ» أيها المؤمنون «مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكم» يعني اليهود والنصارى «وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا» مشركي العرب «أَذًى كَثِيرًا» قيل: الأذى ما كانوا يسمعونه من ألفاظ الشرك والكفر كقول اليهود: عزير ابن اللَّه، وقول النصارى: المسيح ابن اللَّه. عن ابن جريج، وقيل: الأذى: الافتراء على اللَّه وتكذيب رسول اللَّه، «وَإنْ تَصْبِرُوا» على ما ينالكم في سبيل اللَّه من الأذى «وَتَتَّقُوا» مخالفة اللَّه، «فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ» أي من الأمور التي ظهر رشدها، وقيل: من محكم الأمور، وقال عطاء: من حقيقة الإيمان، وقيل: هو حكمه في أمركم ومن الأمور القوية عن أبي مسلم، وقيل: هو ما ظهر رشده ويجب أن يعزم عليه العاقل عن أبي علي.

  · الأحكام: تدل الآية على أن الدنيا دار ابتلاء وأن المؤمن قد يلاقي الأذى، وأن المذاهب الفاسدة قد تظهر، وإنما الآخرة دار الجزاء. وتدل على وجوب الصبر في الدين؛ لأنه إما أن يصبر على مجاهدة الأعداء إذا أمكنه أو لا يمكنه فيصبر على مكروه مما يسمع.

  وتدل على وجوبه أنه قال: «من عزم الأمور» ولا يكون كذلك إلا وخلافه مذموم.