قوله تعالى: {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون 30}
  ومتى قيل: من أين علموا ذلك، وعلى أي وجه وقع السؤال؟
  قلنا: فيه أقوال:
  الأول: أنه تعالى أعلمهم أن في ذرية آدم من يفسد ويسفك الدماء، فسألوا هذا السؤال، عن السدي، ولا يقال: فليس في القرآن ذلك؟ قلنا: إذا لم يعلموا الغيب فلا بد أن ذلك علموه بتعليم اللَّه تعالى إياهم مع قطعهم على ذلك.
  الثاني: أنه ليس بقطع، ولكن لما فسد الجن قبلهم، وأراد تعالى خلق آدم وذريته قالوا: هل سبيلهم سبيل الجن في الفساد أم لا؟ فهو قياس منهم واستنباط؛ إذ رأوا أن فيهم الشهوة والقدرة وتردد الدواعي كالجن، والأول أظهر.
  الثالث: أن في الكلام حَذْفًا واختصارًا، وتقديره: أتجعل فيها من يفسد أم تجعل فيها من لا يفسد؟ كقوله: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا} يعني كمن هو غير قانت، فهو سؤال استفهام.
  الرابع: أنهم لم يعلموا أن فيهم أنبياء ومصلحين حتى أخبرهم اللَّه تعالى بذلك بقوله: «أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ».
  الخامس: أشكل عليهم خَلْقُ مَنْ يعلم أنه يكفر ممن جميع أفعاله حسنة، ولا يجوز عليه القبيح، فسألوا عن ذلك.
  السادس: أشكل عليهم خلق المفسدين مع الإمهال.
  السابع: أشكل عليهم أن خليفة اللَّه هل يجوز أن يكون مفسدًا فاسقًا أم لا؟
  فسألوا.
  الثامن: أنه لم يشكل عليهم شيء ولكن سؤالهم على وجه للمبالغة في إعظامه تعالى، فسألوا ألا يخلق من يعصيه، فأجاب وأخبر بأنه أعلم بالمصالح، وقيل: هو سؤال تعجيب، يعني كيف يعصي العبد خالقه؟
  ومتي قيل: هل سألوا ذلك بإذن أم بغير إذن؟
  قلنا: بل بإذن لهم في السؤال لما علم من مصلحتهم في ذلك فأجابهم بأني أعلم ما تعلمون.