التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون 30}

صفحة 314 - الجزء 1

  «وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ» قيل: ننزهك عن صفات الأجسام، ونقدسك عن قبائح الأفعال، وقيل: نسبح: المراد التسبيح المعروف، عن قتادة، وقيل: هو الصلاة، عن ابن عباس، وقيل: ننزهك بإضافة النعم إليك، ونحمدك على ذلك، وقيل: ننزهك ونحمدك على ذلك؛ لأن نفع التسبيح عائد إلينا، وهو بتوفيقك، وقيل: ننزهك عما لا يجوز عليك، «وَنُقَدّسُ» يرجع إلى المكلف أي كما ننزهك نطهر أنفسنا عن المعاصي ابتغاء مرضاتك، دليله «نقدّسُ لَكَ»، يعني لأجلك ومرضاتك، عن أبي مسلم، وعلى المعنى الآخر اللام صلة، والتقديس يرجع إلى اللَّه تعالى، وتقديره: نقدسك.

  ويقال: هل فيه دلالة على أنهم سألوا أن يجعلهم بدلاً منهم في الأرض؟

  قلنا: قيل: نعم؛ لأن تكليف أهل الأرض أخف، وقيل: سألوا ذلك بأن كان لهم فيه صلاح، عن أبي علي، وقيل: لا؛ لأنه حُكْمٌ بإرادتهم، وذلك لا يصح من غير دليل، وقيل: فيه تقديم وتأخير تقديره: نسبح ونقدس لك بحمدك، أي نفعل ذلك بهدايتك فنحمدك عليه. «قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ» قيل: يعلم أن في ذريته أنبياء وعلماء وأولياء، وقيل: أعلم منهم من عظيم حالهم في عمارة الدين والدنيا، وأنهم يبلغون محلًّا من الكفاية لا يبلغه غيرهم «ما لاَ تَعْلَمُونَ» فنسوا اختيار بعضهم لأبدع المصالح؛ لأن المعصية لا تعلق لها بالأرض فسواء كانوا في السماء أو في الأرض إذ كان المعلوم منهم أنهم يعصون، ولو علم أنهم لا يعصون لأسكنهم موضعًا آخر لفعل. وقيل: أعلم من المصالح، وأي موضع أصلح لهم ولكم ما لا تعلمون، عن أبي علي. وقيل: «أَعْلمُ» من إضمار إبليس المعصية «مَا لاَ تَعْلَمُونَ»، وليس بالوجه؛ لأنه لم يجر له ذكر.

  · الأحكام: يدل قوله: «وَنَحْنُ نُسَبِّحُ» على أن اللَّه تعالى منزه عن الظلم والفواحش،