التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب 195}

صفحة 1433 - الجزء 2

  · النزول: روي أن أم سلمة قالت: يا رسول اللَّه، ما بال الرجال يذكرون في الهجرة دون النساء؟ فأنزل اللَّه تعالى: «لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ» الآية عن مجاهد وعمرو بن دينار.

  · المعنى: لما سبق ذكر دعاء المؤمنين عقبه بذكر الإجابة فقال سبحانه: «فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ» يعني أجاب للمؤمنين الَّذِينَ تقدم ذكرهم، وعن الحسن قال: ما زالوا يقولون: ربنا ربنا حتى استجاب لهم ربهم «أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ» أي وقال لهم: أني لا أبطل عمل عامل منكم أيها المؤمنون. وإضاعته ألا يثاب عليه ولا ينقص من عقابه لأجله، وقيل: معناه لا أضيع أجر عمل عامل «مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى» رجل أو امرأة «بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ» وقيل: في النصرة والدين وفي الموالاة، فحكمي في جميعكم حكم واحد: أني لا أضيع عمله، وقيل: حكم جميعكم في الثواب واحد، وقيل:

  كلكم من آدم وحواء، وقيل: المؤمنون من المؤمنات، والمؤمنات من المؤمنين في الموالاة، وقيل: رجالكم شكل نسائكم في الطاعة، ونساؤكم شكل رجالكم عن الضحاك، وقيل: (من) بمعنى الكاف أي بعضكم كبعض في مراعاة حق الجميع «فَالَّذِينَ هَاجَرُوا» فارقوا قومهم من أهل الكفر «وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلي» أي في طاعتي وديني فتحملوا الأذى لأجل الدين «وَقَاتَلُوا» حاربوا الكفار في الدين «وَقُتِلُوا» قيل: قتلوا بعد المُحَاربَة، وقيل: قُتل بعضهم وقاتل بعضهم «لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ» لأمحون عنهم ذنوبهم «وَلاُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنهَارُ» أي من تحت أبنيتها وأشجارها الأنهار «ثَوَابًا» يعني أثيبهم بذلك ثوابًا، وقيل: هو ثواب لهم «وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ» يعني عند اللَّه للمؤمنين من حسن الثواب حيث لا يبلغه وصف واصف.

  · الأحكام: تدل الآية على أن الإجابة قد تقع بفعل المستحق؛ لأن وعده بأنه لا يضيع عمل