قوله تعالى: {وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب 199}
  أُنْزِلَ إلَيهِمْ» من الكتاب وهو التوراة والإنجيل «خَاشِعِينَ لِلَّهِ» أي خاضعين له لسكونهم إلى طاعته ونفورهم عن معصيته، وأفعالهم الدالة على ما في قلوبهم من الخوف عن أبي علي، وقيل: خشوعهم خوفهم من اللَّه عن الحسن، وقد بينا ما قيل فيهم إنه النجاشي، أو ابن سلام، أو مؤمنو أهل الكتاب «لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّه ثَمَنًا قَلِيلًا» أي لا يأخذون عوضًا على تحريف الكتاب وكتمان الحق وتغيير الأحكام عوضًا يسيرًا، ولكن ينقادون للحق «أُولَئِكَ» يعني المذكورين «لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ» أي أجر أعمالهم مدخر عنده حتى يصيروا إليه «إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَاب» يعني أنه لا يخفى عليه شيء فحسابهم يسير سريع، والحساب هو أن يعرفهم ما لهم وما عليهم، وقيل: سريع الحساب؛ لأنه يحاسب كل الخلق معًا، فإذا حاسب واحدًا فقد حاسب الجميع.
  · الأحكام: تدل الآية على أن التأديب إذا كان صفته ما ذكر لحقه من الوعد ما يلحق المطيع المستمر على طاعته.
  وتدل على أن منْ أهل الكتاب من يقطع على إيمانه.
  وتدل على أن الإيمان بجميع الرسل وجميع ما أنزل إليهم واجب.
  وتدل على أن من صفات المؤمنين الخشوع لله.
  ويدل قوله: «إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ» أن كلامه محدث؛ لأنه يحدثه عند المحاسبة.
  وتدل على أن كلامه بفعله لا بآلة؛ لأنه لو كان بآلة لما صح وصفه بالسرعة لما فيه من الترتيب.
  وتدل على أنه ليس بجسم؛ إذ لو كان جسمًا لما صح أن يحاسب جميع الخلق دفعة واحدة.
  وتدل على بطلان الجبر من وجوه:
  منها: أن الإيمان والخشوع فعلهم.
  ومنها: أنه لو كان خلقه تعالى لما صح الحساب مع العبد.