التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا 10}

صفحة 1474 - الجزء 2

  · الأحكام: تدل الآية على وعيد أهل الصلاة لأن ولي اليتيم لا يكون إلا منهم.

  وتدل على زجر الأولياء عن مال اليتامى، وغلظ حال من خان فيه حتى روي أن عند نزول هذه الآية تحذر مَنْ عِنْدَهُ يتيمٌ من خَلْطِ مالِهِ بمال نفسه.

  وتدل من حيث المعنى على المنع من صرف مال اليتيم في سائر الوجوه؛ لأنه كالأكل.

  وتدل على أن الوعيد يتناول أكل أموال اليتامى ولم يفصل فتدل على تناوله القليل والكثير، فلا يطلق اسم المال على الشيء التافه، ولا بد من مقدار، ولا شبهة أن القليل والكثير ممنوع منه، واختلفوا في القدر الذي يقطع على أنه كثير، فقال أبو علي: خمسة دراهم، قياسًا على مانع الزكاة، وقال أبو هاشم: عشرة دراهم، قياسًا على القطع في السرقة، ولا شبهة أن الوعيد يتناوله بشرط عدم التوبة، وفيما دون خمسة أو عشرة، إلا أن يكون معها طاعة أعظم منها.

  وتدل على أن القيم في مال اليتامى يتصرف فيه؛ لذلك منعه عن أكله.

  وأولياء الأيتام ستة: الأب، والجد، ووصي الأب والجد، ووصي الأم، والقاضي، وأمين القاضي.

  فأما الأب فلا خلاف أنه تام الولاية يتصرف في النفس والمال حتى لو باع من نفسه أو من غيره ماله بثمن مثله جاز، ولو زوج الصغير والصغيرة جاز، فإن كان فيه غبن لم يجز البيع، واختلفوا إذا زوج بغبن في المهر، فعند أبي حنيفة يجوز، وعند أبي يوسف ومحمد لا يجوز، وما يفعله الأب من العقود إذا بلغ فلا اعتراض للصغير عليه، وأما الجد فهو كالأب إذا لم يكن أب، فأما وصي الأب فإنه يتصرف في المال دون النفس، فلا يُزَوِّج، فأما وصي الأم فينفق عليهم، ولا يبيع العقار، فأما العم وابن العم والأخ وسائر العصبات فيلي التزويج ولا يتصرف في المال، فأما القاضي وأمينه فيتصرف في النفس والمال.

  وتدل الآية على أن الأكل فِعْلُهم؛ لذلك أوعدهم عليه، فيبطل قول الْمُجْبِرَةِ في المخلوق.