التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم 13 ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين 14}

صفحة 1489 - الجزء 2

  من الهاء في «ندخله» وقيل: صفة للنار عن الزجاج، كما تقول: زيد مررت بدار ساكن فيها، إلا أنه على حذف الضمير من ساكن هو فيها؛ لأن اسم الفاعل إذا جرى على غير ما هو له لم يتضمن الضمير كما يتضمنه الفعل لو قلت: سكن فيها.

  · المعنى: لما فرض الفرائض عقبه بذكر الوعد والوعيد فقال تعالى: «تِلْكَ حدودُ اللَّهِ» قيل:

  قسمة المواريث على ما تقدم عن أبي علي وأبي مسلم، وقيل: ما حده من أول السورة إلى آخرها عن الأصم «حدود اللَّه» فرائضه التي حدها لعباده، وقيل: تفصيلات اللَّه لفرائضه، قيل: سماه حدودًا؛ لأن بعضه يتميز من بعض عن المعاصي «وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ» فيما أمر به من الأحكام، وقيل: فيما فرض من المواريث «يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنهَارُ» أي من تحت أشجارها وأبنيتها، وقيل: إنها تجري في غير خدود الأنهار، يعني ماء الأنهار «خَالِدِينَ فِيهَا» أي دائمين فيها «وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظيمُ» الظفر بالبغية «وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ» فيما أمر ونهى «وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ» يتجاوز ما حد له «يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا» يعني يبقيه خالدًا فيها؛ لأن الدخول لا يَنْفي أبدًا «وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ» يعني يهان في ذلك العذاب، واختلفوا في قوله: «يدخله»، «خَالِدا» فقيل: من عصاه مستحلاً، وقيل: من تعدى جميع الحدود، وقيل: من عصى اللَّه وتعدى ما حد له، وهو قول من يقول بتخليد الفساق في النار، والأول والثاني تخصيص بغير دليل، ولأن تعدي جميع الحدود ليس بشرط في التخليد بالإجماع؛ لأن الكافر بخطيئة واحدة يخلد في النار، ولأن من تعدى ثلاثة حدود يقال: تعدى حدود اللَّه.

  · الأحكام: تدل الآية على وعيد فساق أهل الصلاة وتخليدهم في النار؛ لأن الوعد متوجه إليهم وكذلك الوعيد والحدود وإن كان عمومًا فقد تقدمه ذكر عهد فانصرف إليه واختص به، وهو قوله: «تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ» فصار هو المراد بقوله: «وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ»،