التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا 20 وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا 21}

صفحة 1501 - الجزء 2

  والقنطار أصله القنطرة، سمي بذلك لعظمه، ومنه القِنْطَرُ الداهية؛ لأنه كالقنطرة في عظم الصورة، ومنه قنطر في الأمر إذا عظمه بتكثير الكلام فيه من غير حاجة، والقنطار: المال الكثير لعظمه، وحده بعضهم بدية الإنسان، وبعضهم بملء جلد ثور ذهبًا.

  والبهتان: الكذب الذي لا يواجه به صاحبه على جهة المكابرة له، وأصله التحير من قوله: {فَبُهِتَ الَّذَي كَفَرَ} أي تحير لانقطاع حجته فالبهتان كذب يحير صاحبه لعظمه.

  والإفضاء إلى الشيء الوصول إليه بالملامسة، وأصله من الفضاء، وهو السعة فضا يَفْضُو فضاءً وفُضُوًّا إذا اتسع، والإفضاء: الوصول باتساع المذهب.

  والميثاق من المواثقة والمعاهدة، وهو من وثقت الشيء أحكمته.

  · الإعراب: «أتأخذونه» ألف استفهام، والمراد التقريع، وحقيقته النهي؛ أي لا تأخذوا، «بهتانًا» نصب بنزع الخافضة، أي ببهتان، وقيل: بإضمار، وتقديره: تصيبون به بهتانًا وإثمًا.

  · المعنى: لما تقدم الحث على حسن العشرة مع النساء عند الإمساك عقبه بحال الاستبدال، فقال تعالى: «وَإنْ أَرَدْتُمُ» خطاب للأزواج «اسْتِبْدَالَ زَوْج مَكَان زَوْجٍ» يعني إقامة امرأة مقام امرأة لكم بدلاً منها، تُطَلِّقُون الأولى وتتزوجون الثًانية «وَآتَيتُمْ» أعطيتم «إحْدَاهُنَّ قِنطَارًا» أي مالاً كثيرًا «فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيئًا» أي من المال والقنطار «شَيئًا» أي قليلا ولا كثيرًا، وإنما أراد أنه ليس ما أعطيتموهن موقوفًا على حال التمسك بهن دون التخلية بل هو تمليك صحيح لا يجوز الرجوع فيه من غير تراض.

  ومتى قيل: لما خص الاستبدال بالنهي مع أنه محرم أخذه عند عدم الاستبدال؟

  فجوابنا أنه يجوز أن يتوهم عند الاستبدال أن الثانية تقوم مقام الأولى فيكون لها ما أخذت الأولى، ويجوز أن يتوهم أنه لما رجع إليها أحد البدلين يرجع البدل الآخر إليه، فأزال هذا الإشكال «أَتَأْخُذُونَهُ» استفهام والمراد به النهي «بُهتَانًا» قيل: ظلمًا