قوله تعالى: {وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا 20 وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا 21}
  يجوز أن يظن أن قدر ما يستبيح به البضع يخلف فيه بعضهن بعضًا فلا يجب أن يجدد الصداق، فأزال تعالى هذه الشبهة، وبين أن حكم القليل والكثير سواء، وهذا في المدخول بها، فإنه لا يجوز أخذ شيء منها، فأما غير المدخول ففي حال الطلاق يجوز أخذ نصف الصداق، فإن جاءت الفُرقة بسبب من جهتها يجوز أخذ جميع الصداق، والذي يدل على أن الآية في المدخول بها قوله: «وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ» وقد بينا ما قيل في الإفضاء، وأن منهم من يقول: الخلوة هي كالجماع في تأكيد المهر، وهو مذهب أبي حنيفة، ومنهم من يشترط الجماع، وهو قول الشافعي، وتدل على أن المهر ملك لها مؤكد؛ لذلك لا يجوز أن يسترد.
  فإن قيل: إطلاق الآية يدل على المنع من الأخذ في عموم الأحوال، وقد قال تعالى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا}، وقال: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} فكيف التوفيق بين هذه الآيات؟
  قلنا: اختلف العلماء في ذلك، فمنهم من قال: الآية. منسوخة بقوله: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} عن ابن زيد، ومنهم من قال: حكم الآية ثابت فلا يجوز أخذ شيء في عموم الأحوال عن بكر بن عبد اللَّه المزني، ومنهم من قال: هذا على وجهين: إن كان النشوز من جهتها فله أخذ الفدية بتلك الآية، وإن رضيت بإسقاط المهر فله أخذها بالآية الأخرى، وهو بمنزلة ابتداء هبة وليس باسترداد. وإن كان النشوز من جهته، وهو يريد الاستبدال فلا يحل أخذ شيء، وهذا هو الصحيح، ولا بد في الآية من تقدير وإضمار كأنه قيل: لا تأخذوا منه شيئًا إلا بأمرين: أحدهما: أن يكون الأخذ بحق، والثاني: أن يكون بطيب نفس منها، يدل عليه أن وصف الأخذ بالبهتان يُنْبِئُ عن ذلك، لأن ما يؤخذ بهذين الوجهين لا يوصف بذلك فيما يأخذه عند الخلع، والطلاق قبل الدخول يأخذه بحق، وذكر الأصم قال: قد بلغني أن النبي ÷ قال. لثابت بن قيس بن شماس حين كرهته امرأته وأرادت فراقه: «خذ منها ما أعطيتها»، فقال: هل يحل لي ذلك، وقد أفضى بعضنا إلى بعض؟ قال: «نعم».