التهذيب في التفسير (تفسير الحاكم)،

المحسن بن محمد الحاكم الجشمي (المتوفى: 494 هـ)

قوله تعالى: {يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم 26 والله يريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلا عظيما 27 يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفا 28}

صفحة 1527 - الجزء 2

  قبلنا إلا نكاح امرأة الأب والجمع بين الأختين، وقيل: يدلكم على طاعاته كما دل الأنبياء قبلكم لتقتدوا بهم عن الأصم، وقيل: بين سبيل الصالحين الَّذِينَ صبروا عن نكاح الإماء «وَيَتُوبَ عَلَيكُمْ» قيل: يريد أن يتوبوا فيتوب عليكم أي يقبل توبتكم، وقيل: يتجاوز عنكم ما أصبتم قبل أن يبين عن الكلبي، وقيل: يريد أن يرجع بكم عن المعصية التي كنتم فيها إلى طاعاته التي أمدكم بها عن ابن جرير واللَّه أعلم بمصالح عباده دينًا ودنيا، حكيم في تدبيره فيما أمر ونهى، «وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيكمْ» قيل: يلطف في توبتكم إن وقع منكم زلل، وقيل: يقبل توبتكم، وقيل: يريد أن يراجع بكم إلى طاعاته ليغفر ما سلف، «وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ» يعني شهوات الدنيا وما تشتهي الأنفس، وفيه أربعة أقوال: قيل: المراد به كل مبطل؛ لأنه يتبع شهوة نفسه في باطله عن ابن زيد، وقيل: هم الزناة عن مجاهد، وقيل: اليهود والنصارى عن السدي، وقيل: هم المجوس حيث يستحلون نكاح الأخت وبنات الأخ والأخت «أَنْ تَمِيلُوا مَيلاً عَظِيمًا» يعني تعدلوا عن الحق والاستقامة وأمر اللَّه إلى المعاصي، وقيل: تجوزا عن الإيمان إلى الكفر، وقد يكون ذلك منهم بعداوتهم، وقد يكون لتمام الأنس في المعصية، وقيل: معناه يريد اللَّه إصلاح عباده، ويريدون العدول إلى شهواتهم بين أن إرادته لهم خلاف إرادتهم.

  ومتى قيل: لماذا كرر «وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيكُمْ»؟

  فجوابنا لوجهين: أحدهما: للتأكيد، والثاني: أن في الأول بيان أنه يريد الهداية والإنابة، وفي الثاني بيان أن إرادته خلاف إرادة أصحاب الأهواء.

  «يُرِيدُ اللَّه أَنْ يُخَففَ عَنْكُمْ» يسهل عليكم قيل: في نكاح الإماء؛ لأن الإنسان خلق ضعيفًا في أمر النساء عن مجاهد وطاووس وابن زيد، وقيل: فيما حرم وحلل، وقيل: يريد أن يسهل في جميع تكاليفكم؛ لأنكم ضعفاء، «وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا» قيل: في أمر الجماع لا يصبر عن النساء عن مجاهد وطاوس، وقيل: ضعيفًا يستميله هواه وشهوته وغضبه، ويستنشطه خوفه وحزنه عن الأصم، وقيل: ضعيفًا؛ لأنه خلق من ماء مهين عن الحسن.